في لقاء حميم مع الروائي اليمني البروفسور حبيب عبد الرب سروري، تداعت بنا الأحوال وتقافزت الرؤى، واحدة تلو الأخرى، ففاض الزمان بالزمان، وانبرى دهر الثبات ( العرب سلامي )، ليحيلنا إلى دهور التحول الإبداعي، وما يتجاوزهما من معارج وتحولات فارقة في الثقافة العربية التاريخية ، وكان أبو العلاء المعري بطل الحديث ونورسه المحلِّق في اللا مكان، وكانت لزومياته، ورسالة الغفران، والفصول والغايات ، وحتى ملحمته الفكرية الضائعة ( الأيك والأغصان ) والتي بلغت مائة مجلد، تناثرت بعض أبعادها في متون التدوين التاريخي لفكر المعري .. كانت هذه المحطات سبباً لذلك التخاطر المنعش الذي فاض به السروري، لأسمع منه إشارات هامة تتعلق بتقاطعات المعري مع الفيلسوف الألماني نيتشه ، والفرنسي باسكال، وقبلهما الإيطالي دانتي الليجيري ،صاحب الكوميديا الإلهية ، ومؤسس اللسانيات الإيطالية الحديثة، التي تماهت في أفق ما مع تفعيلات الخليل ابن أحمد الفراهيدي. كان حديثاً كاشفاً لمعنى الحضارة العربية .. تلك التي هجرها أهلها قبل أن يتجاهلها الأوروبيون ، بل إن بعض الأوروبيين كانوا أرحم منا وأكثر إنصافاً لتلك الثقافة ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ماسينيون الفرنسي الذي كان سباقاً في إجلاء التصوف الحلاجي البواح ، وعالم التاريخ والحضارات جوستاف لوبون الذي كشف مقامات ومآلات الثقافة العربية التاريخية ، والرسام الإنجليزي ديفيد الذي رسم المدن العربية التاريخية ليقدم لنا مشهدية بصرية وثائقية لا تقدر بثمن . كان حبيب عبدالرب سروري يتدفق ألقاً وقلقاً حد الاحتياط، ويميد بي إلى عوالم استعادية هامة، قررت خوضها من جديد وأنا مدرك أن مجاورة المعري ستأخذ سنين عددا، وأن التكشف على جواهره دونه خرق القتاد . [email protected]