الجامعات اليوم ليست مؤسسات معنية فقط ببناء الانسان علميا او اكاديميا , بل هي بالضرورة معنية ايضا ببناء الانسان او الطالب الجامعي اخلاقيا , ليكون عنصرا مفيدا وفعالا فى المجتمع , و ومن هذا المنطلق فإن على الجامعات أن تحرص على تنمية بيئة أخلاقية داخلها ، و إلا عجزت عن النهوض برسالتها ، فلا انفصال بين تحقيق رسالة الجامعة و بين التزامها بالأخلاق . والاستاذ الجامعي هذا الانسان الذي يمثل صفوة الطبقة المتعلمة يفترض ان يكون قمة في كل شيء ورأس ذلك الأخلاق ، اخلاق المهنة التي تبوأ مكانتها ، ومن ثم الأخلاق الفاضلة التي يجب ان يتحلى بها كل انسان قويم ، فما بالك اذا كان هذا الانسان استاذا جامعيا يربي الأجيال ، ويرفد الوطن بخيرة الشباب والخبرات ليتخرجوا من تحت يديه قياديين أمناء على مصلحة الوطن وصون مكتسباته ، للوصول به الى مصاف الدول المتقدمة حضاريا. ما دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع اليوم هو مشاهدتي لتصرفات وسلوكيات غير اكاديمية وغير اخلاقية لبعض اعضاء هيئة التدريس فى جامعتنا , للأسف الشديد . سواء كانت هذه التصرفات او السلوكيات متعلقة بعلاقة الاستاذ بطلابه ام علاقته بمؤسسته وزملائه والعاملين فيها . ولن اتناول فى مقالتي هذه نماذج لهذه التصرفات والسلوكيات غير الاخلاقية , فالكثير منا يعرفها ويلمسها فى واقع جامعتنا اليوم وخصوصا الجامعات الحكومية , لكنني سأركز على ما يجب ان يلتزم به استاذ الجامعة اليوم من اخلاقيات المهنة فى تعامله مع طلابه ومؤسسته وزملائه ومجتمعه .فالأساس الأخلاقي في عمل الأستاذ الجامعي غايةَ في الاهمية لأن الجامعة حين توظف استاذا فإنها توظف اخلاقه معه وهذه قاعدة سلوكية عامة فلا يتصور منطقيا أن ينفصل الشخص عن خُلقه . وتزداد أهمية الأخلاق في الجامعة لأن الأستاذ الجامعي يجب ان يكون قدوة لطلابه ، ومسئولا عن تعزيز الجانب الاخلاقي لديهم . و نموذج جيد فى تعامله مع زملائه والآخرين في مؤسسته ومجتمعه . ففي اطار اخلاقيات المهنة للأستاذ الجامعي مع طلابه ,عليه ان يبذل كل جهوده لبناء علاقات طيبه معهم , والاهتمام بمشكلاتهم الدراسية والعلمية ومعرفة اوضاعهم وظروفهم وحتى مشكلاتهم الشخصية والعمل على مساعدتهم في حلها قدر ما يستطيع .. ان شعور الطلبة باهتمام استاذهم بمشكلاتهم يزيد من محبتهم واقترابهم منه وذلك من شأنه ان يخلق اجواءً مريحة اثناء الدرس وخارجه .. كما ان على الاستاذ الجامعي ان يفهم بأن طلبته هم مجموعة من الناس لهم مشكلاتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية كباقي الناس لذا ينبغي عليه ان يراعي هذه الظروف ويدرك تماما بأن طلبته هم رصيده في الحياة وفي المستقبل وهو رصيد كبير وعظيم لا يقاس بثمن او قيمة مادية... وبقدر ما يترك الاستاذ الجامعي في نفوس طلبته من اثر طيب في ما زودهم به من العلم والمعرفة وفي تعامله الطيب معهم فإن ذلك سيبقى مطبوعا بشكل عميق في نفوسهم وثقافتهم وذاكرتهم وشخصهم ولسنوات طويلة ، بل طوال مدة حياتهم ... لذا سيجدهم يذكرون له ذلك بالخير ويهرعون له مرحبين بعد تخرجهم حينما يصادفونه في مكان ما تعبيرا عن امتنانهم ووفائهم له... وفيما يتعلق بأخلاقيات المهنة للأستاذ الجامعى مع مؤسسته الجامعية وخاصة زملائه والعاملين معه فيها فإن لها اهمية كبيرة أيضا , فعليه ان يقيم علاقات طيبة مع زملائه من التدريسيين بل وبالعاملين كافة داخل قسمه العلمي او كليته او معهده. كما ان علاقة الاستاذ الجامعي بمؤسسته لا تنحصر بعلاقاته الشخصية بزملائه والعاملين فيها بل قبل كل ذلك عليه اداء واجباته والتزاماته العلمية داخل قسمه العلمي اولا وكليته ثانيا بأمانة وإخلاص , والمشاركة فى الفعاليات والأنشطة العلمية والأكاديمية بالكلية او الجامعة , في اطار شعوره بالانتماء الى قسمه العلمي وكليته وجامعته وان يعد كل مشاركاته تلك جزءاً من التزام علمي وأدبي تجاه مؤسسته الجامعية والحرص على اظهار اعتزازه بها على الدوام... اما علاقة الاستاذ الجامعي بباقي زملائه من التدريسيين فإنها يجب ان تبنى على الاحترام والمودة والتعاون، فالاحترام واجب بين اعضاء هيئة التدريس . وعلى الاستاذ الجامعي تجنب المساس بسمعة زميله سواء عن طريق ذكره بالسوء او المساس بمستواه العلمي او سمعته الشخصية سواء كان ذلك امام زملائه او امام طلبته لأن ذلك يعد سلوكا شائنا وتصرفا لا يليق بالأستاذ الجامعي فضلا عما ينجم عنه من مشكلات وخلافات شخصية بين اعضاء الهيئة التدريسية والمساس بهيبتهم داخل مؤسستهم الجامعية. والى جانب الاحترام والمودة التي يجب ان تكون اساس العلاقة بين التدريسيين فإنه ينبغي ان تسود روح التعاون بينهم .. فالتعاون يخلق اجواء ايجابية في العمل الجامعي ويعود بالفائدة على كل عضو من اعضاء الهيئة التدريسية .. فالتعاون بين التدريسيين يخلق اجواء ايجابية يتمتع بها الجميع. وعدم التعاون والميل الى اثارة المشكلات والخلافات من بعض التدريسيين تجاه زملائهم لن يكون مردوده ايجابيا على الاطلاق على الجميع بل من شأنه خلق اجواء متوترة وسلبية لن تعود بالفائدة على احد. ولهذا فإن على الاستاذ الجامعي ان يضع نصب عينيه اثناء عمله داخل مؤسسته الجامعية ان يعمل في اطار اسرة واحدة تربطه بأعضائها روابط مقدسة ووشائج علمية وإنسانية وأخلاقية نبيلة كتلك التي تربطه بأسرته وعائلته الخاصة . ان هذا الشعور الطيب الذي ينبغي ان يشعر به كل استاذ جامعي هو الذي من شأنه خلق الاجواء الجامعية السليمة ويذلل الكثير من الصعوبات والمشكلات التي قد تعترض عمل الاستاذ الجامعي. ختاما يمكن القول: ان هذه الأخلاقيات المهمة في عمل الأستاذ الجامعي نحتاج إلى استلهامها وإلى إيقاظها من روحها من جديد حتى يتسنى لنا القضاء على السمة العامة للأستاذ الجامعي،كما يصورها البعض شخصية متعجرفة ومنطويةً على ذاتها ، وضد المجتمع ، بدلا من أن يكون الأستاذ مشعلا ينير لطلبته الطريق ، ومثالا يثير عند طلبته الدافعية ويدب فيهم العزم، ويبين لهم الرشاد ، فلا اقل من أن يكون الأستاذ الجامعي قدوة صادقة لطلبته ، يتمثل لما يأمرهم به ولا يخالفهم لما ينهاهم عنه. والمطلوب من جامعاتنا ان تضع ميثاق شرف يتضمن مجموعة القيم العليا والأخلاقيات التي تسعى الجامعة أو العاملون فيها للالتزام بها أثناء ممارسة العمل ، والقواعد الواجبة في السلوك المتوقع وفي السلوك المحرم أيضا. *أستاذ التسويق المساعد / جامعة تعز رابط المقال على الفيس بوك