ثمة عابرون متهكمون في ظهيرة لا ترحم, ومتضورون جوعاً لا يجدون سوى فضلات طعام أو كسرات خبز يابسة هنا أوهناك.المساكين ممن لا يسيرون إلى الوظائف أولئك المهمشون والعاطلون والمهشمة جماجم أحلامهم بحرمانات كثيرة في دروب الليل اليمني الطويل الذي لا يكاد ينجلي في ظل هذا النهار المغوبر بتناقضات الصراع بين جهويات ومراكز قوى لاتزال تراوح ما بين «لوَكْ» الخطاب وغيب الشعارات في هذا الأوان الملتبس الصراع والحصار وفي ظل شبكات عنكبوته السياسي وتناقضاته الأكثر فداحة، بالرغم من الفضاءات الرقمية والتكنولوجية الواسعة التأثير, إلا أن «الشبكات»بالمعنى اليمني الدارج مفهوماً لاتزال في دلالتها: تعني المَصائب؟!. كان سقراط في تهكمه صاحب قرار مصيري حينما أوعز له خيار الشفقة مثلاً على حياته بالتطهير المعرفي أن يختار العزلة بالتهكم الذاتي أيضاً فآثر الزؤام، وبقي كأسه فارغاً من السُم إلا من المعرفة ذاتها والتي لم تخلف موتاً بقدر ما أردته في الأبد، بينما خلف هو معنى الصيرورة لتهكمه الفلسفي كحياة للشاربين سِمتها العقل وأفكار التلميذ المجاوزة فلسفة العصر والعناصر. أبو نواس كان دينه وديدنه وشِعرُه تهكمه، والتهكم هنا يعني الصعلكة، أو الاختلاف بمعايير اليوم ومفهوم اللحظة السياسية الشعرية - إن جاز التعبير - والتي نضيع فيها الآن شعوباً عدداً بلا غد أو غداء، وبلا صلةٍ أو بوصلة سوى تهكم الجهات بنا بالاستبداد حيناً وطوراً بالاستئثار بالقوة على التركات؛ إذ لا حياء و«لا حياة لمن تنادي» كما قيل في الاعتياد! نيتشة لم يصرخ بقدر ما اعتصم متأملاً وبقي كما «هكذا تكلم.....إلخ» لكنه لم يتحدث سوى ما قاله «زرادشت» من تهكمه على العالم بحرية الرؤى والفكر المجاوز كل فلسفة، وحيث كسر بالمفاهيم حاجز النظم والأفكار كمن يستأنس بناره الخاصة؛ لفصل الأديان والشرائع القانونية والإلهية عن بعضها، غير أنه بقي نصيراً لحرية تأمله مع بعض من راديكالية صمته العميق، كما لم يهتم بشيء سوى بهوية الأفكار وفلسفة الشرود والأسئلة، هو الذي كان شدد على ضرورة أن لا يكون له أتباع أو طوافون حول كنيس مائه ونار لغته وفلسفته، ولعنته ربما لدى المناوئين له من فلاسفة وسلفيين وسفلة.. وبينما ظل التهكم هنا عبر تقاطعات ذات وجودية يعطي وجودها الحسي أمثولته في قرار الطريق والمعنى الاستهلاكي في الحياة، فإن تهكم الاشتغال على النفي الدائم والإثبات والخسارات غير المحسوبة، تلك التي نجنيها كل ثانية جراء اللامبالاة والخيال المعاق عن الفعل في حياتنا، إنما يأتي نتيجة لتقاطعات غياب مؤسسة الأخلاق التي لا تدخل ضمن حسابات السياسة ولاعبيها، كما بمنطق العقل، وثقافة الإنتاج والإدارة؛ لما لذلك من تأثيرات بمعيشة الناس، وبخاصة حين تشبه الإدانة سمة الظلال التي نلبس مُستورداً حد استهلاك غبار الشارع، بدلاً من التزيؤ بحلة الضوء الذي نكتسي، كما يفترض أن يكون مناخ وبيئة حياتنا الملتبسة كيمنيين في هذه العتمات الشديدة الضوء.! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك