إن البعد الديمقراطي الذي التزم به اليمنيون عبر مراحل التاريخ الطويل بات منبعاً ليس على مستوى المكون الأعلى للدولة اليمنية قديماً وحديثاً, وإنما على المستوى الأدنى لذلك المكون ابتداءً من أصغر وحدة في مكونات القبيلة ووصولاً إلى أعلى مكونات القبيلة من الأسرة إلى مجموعة الأسر إلى القرى ثم مجموعة القرى وصولاً إلى القبيلة ثم الدولة, ولم تكن وسيلة اختيار الممثلين أو المندوبين لتلك المكونات ناجحة وتحقق الرضا والقبول سوى الانتخاب الحر المباشر, وهو ما أصّل له اليمنيون في مختلف مراحل تطور الحياة السياسية منذ الدولة المعينية التي ظهرت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حسب ما أشارت إليه المراجع التاريخية, ولم تكن وسيلة الوراثة قائمة في كل المكونات السياسية البشرية للدولة اليمنية, بل كان مبدأ الوراثة نادراً وغير مرغوب فيه على الإطلاق؛ لأنه لم يحقق الحياة الأكثر استقراراً وتطوراً؛ لانعدام الرضا والقبول أساس الشرعية السياسية اللازمة لنظام الحكم, ولا يحظى الحاكم فيه بالرضا الشعبي, ولم يعزز قوة رئيس المكون السياسي للقبيلة ولا الدولة؛ لأن مبدأ الوراثة لا يمثل قوة شعبية ولا يمثل الإرادة الكلية للشعب. ولذلك فإن المراجع التاريخية للحياة السياسية لمختلف مكونات الدولة اليمنية أكدت على مبدأ الديمقراطية والانتخاب الحر المباشر. إن رئيس الدولة يعبر عن المكونات البشرية للدولة في كل شبر من المكونات الجغرافية للدولة, ولذلك اهتم اليمنيون بذلك كثيراً وجعلوا له مكانة شديدة الاحترام عظيمة الولاء بالغة التأثير الاجتماعي والسياسي، وأحاطوه بسياج السيادة الوطنية العليا المطلقة المحددة بالدساتير التي لا يجوز الخروج عنها أو الاستهتار بها أو العبث بمضمونها مهما كانت الرغبات والأهواء؛ لأن رئيس الدولة في الفكر الاستراتيجي السياسي يمثل شرف اليمنيين، والتعدي عليه تعدٍ على الشرف اليمني، ويعد ذلك في إطار الدستور والقانون الذي منحه الشعب لرئيس الدولة من باب مكارم الأخلاق؛ لما لرئيس الدولة من الأهمية والمهابة والسلطان. إن المرحلة الراهنة من أشد المراحل السياسية التي ظهر فيها انهيار المبادئ والقيم الدستورية بفعل المحاكاة والتقليد الذي تمارسه بعض القوى السياسية التي أساءت كثيراً إلى مكارم الأخلاق وسنت سنناً أخشى أن تصبح تقليداً سيئاً يمارسه الناس بشكل دائم في المستقبل. ولذلك ونحن في مرحلة بناء الدستور لابد أن نقف أمام تلك التصرفات التي نالت منها السيادة الوطنية وشرف الوطن، ونعيد لمكارم الأخلاق مكانتها من أجل مستقبل أكثر إشراقاً بإذن الله. رابط المقال على الفيس بوك