لكيلا يصبح الجهل غنيمة في سوق البناء نقول: الأمة أي أمة هي دور وموقف، وإلا فقدت مبررات بقائها، ويصبح وجودها دون دور وموقف مهدداً حين تغدو أمة معطلة من أهم معطيات وجودها الطبيعي والتاريخي، ولم يخطىء مفكر ليبي عندما قال: “الحياة وقفة عز” فبدون وقفة العز بالنسبة للفرد والمجتمع والأمة تكون الحياة هباءً لا معنى له.. فبمرتكزات البقاء الطبيعي التاريخي الصحيحة تحيا الأمة مصانة الكرامة بصمودها أمام التحديات الكبيرة، وهذه المرتكزات هي الفكرة الملهمة، والمشروع الحضاري المتكامل باستراتجياته الشاملة مناحي الحياة، المعبر عن تطلعات الإنسان والمجتمع المحقق لآماله المستقبلية، ومتطلباته الحاضرة، المعزز بعوامل القوة والإيمان، لخوض معتركات الحياة السياسية الاقتصادية الاجتماعية العلمية التنموية الحضارية، باقتدار، وأمتنا العربية واحدة من الأمم الإنسانية لديها من التجارب القديمة الجديدة ما يجعلها في مصاف الأمم المتقدمة، التي يمكنها تغيير واقعها للأفضل، ولكن إذا اختارت الحضارات السليمة في سبيل تطوير ذاتها، وتحسين ظروف واقعها الموضوعي المحمل بأعباء الجهل والفقر والظلم والتخلف، والانتقال من حالاتها المأساوية إلى حالات مثلى من التطور والنجاح المتواصل.. لقد وقف العراف وقفة عز، ووقفت ليبيا وقفة عز، ووقفت سوريا وقفة عز، وقبل ذلك كان لبنان وكانت مصر الخمسينيات واقفتين وقفة عز، وكثير من البلاد العربية وقفت وقفة عز أمام كل متغير سلبي في حياتها، والذي يستدعي الأمة الوقوف وقفة عز هو الاستعمار بكل أشكاله، وعوامل التخلف بكل مظاهره، والظلم بكل صوره، والفقر بكل معاناته، والجهل بكل غباءاته، وحماقاته وتأثيراته، ووقفة العز لا تعني المقاومة، وإنما مواجهة كل تمظهرات التخلف والصراع والاختلاف بشقيه الإيجابي والسلبي. إن الأمة العربية التي تحتوي بلدانها ثروات عظيمة كان الأجدر بها توظيف الثروة في بناء الإنسان أولاً، والأوطان ثانياً، وثالثاً بناء الاستراتيجيات التي تعزز التكامل والتشارك لا التصارع والتناقض.. كان بإمكان الأمة النهوض الحضاري بفترة وجيزة ومرحلة قياسية لو لم تكن التبعية للمشروع الغربي الاستعماري أداة الهيمنة على أطراف من هذه الأمة، أدت دوراً وظيفياً خدم المستعمر، وأضر بحاضر الأمة ومستقبلها، وحول الثروة وبالاً على المجتمع العربي، عندما استخدم كحصان طروادة، يستفيد منه الغرب، وتجني الأمة العربية جراء ذلك المآسي والويلات، بعدما أصبح الوطن العربي مسرح عمليات للغرب يقول فيُسمع ويصول فتُتبع.. ولهذا خرجت امتنا العربية عن السياق الحضاري متخذة سياقات أخرى، ولأجل ذلك فأي بلد عربي يستنهض قواه تحاك ضده شتى المؤامرات ليبقى أسير التخلف والضعف.. ومع أن الثروة العربية كان من أوجب الموجبات أن تكون عاملاً أساسياً في التقدم والنهوض الحضاري حُوِّلت لكابح كبير من كوابح التأخر العربي العجيب ولأجل ذلك يصبح الفقر بكرامة خيراً من الثراء بمهانة : إن الأمة التي لا تعد لمستقبلها التاريخي حساباته العلمية الذاتية والموضوعية وتحصن ذاتها حفاظاً على وجودها ومصيرها هي أمة تعيش حالة اعتلال حضاري يستوجب معالجة أسبابه قبل تشكل نتائجه، بما يفرض تشخيص الأمراض لا أعراضها حتى يؤدي العلاج دوراً في درء الداء واستحضار الشفاء.. وأول المعالجات خروج الأمة من وعيها النمطي لقضاياها الحضارية كقضية التخلف والتبعية الذيلية للآخر المتفوق وثانيها تطوير مفاهيمها الراهنة بما يتلاءم مع مستقبلها، الذي حتماً سيكون أكثر تعقيداً وأكبر تحدياً، بما يستدعي مواكبة كل الثغرات الحضارية، في كل مجالات الحياة ونشاطات الإنسان سلباً وإيجاباً وثالثاً: ضرورة الاستجابة لتطلعات الأمة الحضارية في الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، ودحر ظواهر الفقر والجهل والبطالة والظلم وكل صور التخلف المنتشرة في العالم العربي ورابعاً: البناء الحضاري المستجيب لأحلام الأمة في النمو والتحضر القائم على أسس سليمة وقوية سياسياً اقتصادياً اجتماعياً برؤى علمية وفكرية متكاملة وباستراتيجيات مثمرة متطورة متجددة.. رابعاً بناء واقع عربي خال من التناقضات للتفرغ لمواجهة مختلف التحديات الحضارية. وخامساً: كفالة الحقوق الإنسانية ليثمر العطاء والابتكار والإبداع والإنتاج.. وسادساً: تأهيل الإنسان العربي في خوض غمار التجارب العلمية في مضمار السباق الحضاري بين أمتنا والأمم الأخرى، بعد إيجاد البيئة العلمية العربية الصحيحة.