«... أود أن أعترف .. أن أحكي, أن أكتب , أن أغني, أن أبكي أيضاً.. وأن أصرخ.. رغم كل شيء: القادم سيكون أجمل.” أحمد الشلفي (1) “بن علي هرب”.. اتصل بي صديقي الأديب صادق القاضي بنشوة في 14 يناير2011م, لم أكن حينها أتابع الأخبار, كنت عائداً للتو من سوق المدينة برفقة أمي, قبل الهرب كان ال(زين) يصرخ: لقد فهمتكم.. لكن جسد البوعزيزي المحترق في 17ديسمبر 2010م قد أصم آذان التونسيين عن سماع ترجي زعيمهم الذي فرّ بحماية ليبية سعودية إلى جدة, كانت العواصم العربية تشتعل ترقباً, فكل الأجساد العربية لديها الجاهزية للاحتراق بما فيها أجساد اليمنيين المشتعلة أصلاً. في 3 فبراير وفي خضم الثورة المصرية كان المشترك يقود اعتصاماً بهدف الضغط لتحقيق مطالب سياسية ل(إصلاح النظام), ومن منصة صافر (ساحة الحرية حالياً) دعت توكل كرمان – الحائزة على جائزة نوبل للسلام - لإسقاط النظام, بعد الاعتصام, انطلقت مسيرتان الأولى شبابية باتجاه شارع جمال تهتف بشعار إسقاط النظام والثانية نسائية باتجاه المحافظة. مساء جمعة 11 فبراير كنت أرتشف الشاي في إحدى بوافي شارع جمال بتعز, كل العيون كانت متسمرة على قناة الجزيرة تترقب خطاباً للرئيس المصري السابق, ظهر عمر سليمان نائب مبارك في بيان مقتضب يعلن التنحي, بعدها بساعة كان الشارع التعزي يلتهب بحناجر عفوية: الشعب يريد إسقاط النظام, تحركت الحناجر بتلقائية إلى مبنى المحافظة, وقدر لتلك الحناجر العفوية الغاضبة أن تفجّر أول ثورة شعبية شبابية شهدتها اليمن طوال تاريخها, أطاحت بزعيم حكم اليمن 33 سنة, مخلفاً وراءه بلداً مهدداً بالتشظي الوحدوي والصراع السياسي, علاوة على الفقر والبطالة ومشاكل لا تحصى. ما بين (11) فبراير وجمعة البداية, كانت شوارع تعز تضج بشعار إسقاط النظام (شارع جمال, باب موسى, 26سبتمبر, المركزي) ،كان العرق النازل من جبين بشرى المقطري يغسل رصيف المدينة, كانت شوارعها تهتز تحت أقدام رفيقة الكهالي, صوت عصام الشميري يدوي في سمائها, أحمد شوقي يرصد تفاصيل البداية, غازي السامعي يتحرك بدأب وذكاء, ووو.. آخرون لا أتذكر أسماءهم في ساحة الاعتصام الأولى في المركزي ، كنت أرى الكثير من المنتمين وغير المنتمين حزبياً, وأتذكر أن نقاشاً دار بيني وحميد خالد (اشتراكي) وأحمد عثمان (إصلاح) حول مآلات الثورة. (2) «الشعب يريد إسقاط النظام» حالياً.. يدور جدل في أوساط النخبويين الثوريين حول زمن هذا الشعار وهوية من أطلقه في شوارع تعز, بعض استفهامات هذا الجدل تنحو بعيداً عن النقاء الثوري باتجاه محاولة امتلاك تاريخه والصراع حول ثمار نتائجه, وعلى سطح الشعار طفت معارك هامشية بين تيار “سرقة الثورة” وتيار “خيانة الثورة” أعضاء التيارين مثقفون نخبويون ينتمي بعضهم للإصلاح وبعضهم خليط من التيارين اليساري والقومي, خصوم الإصلاح يتهمونه بسرقة الثورة, وشكّل بعضهم جبهة لإنقاذها, معتقدين أنهم فقط دون غيرهم من فجّر الثورة وخطط لشراراتها ومن هتف بشعارها, بعض الإصلاحيين يعتقدون أن هناك من الثوار من خان الثورة، مشيرين لأسماء بعينها تتحالف مع ما يسمى ب«بقايا النظام». في الحقيقة لا أحد ممن شارك في الثورة سرقها ولا أحد خانها, كل ما في الأمر أن المسار السياسي للثورة أربك المسار الثوري وجعل بعض نخبوي الثورة يعودون لإثبات «الأنا الأيديولوجية» بجعل شخوصهم تخوض صراعاً وهمياً باسم اليسار واليمين, حيث (اليساري) يضع نفسه المالك المطلق ل لحظة انطلاق الثورة ويحتكر لنفسه منح صكوك الثورية, بينما (اليميني) يضع نفسه الوصي على الثورة ويحتكر لنفسه منح سيّر سلوك ثورية. كمراقب صحفي وكشاهد عيان للخط الزمني لأحداث الثورة في تعز, يمكنني القول إن الجميع بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والوطنية شاركوا بفاعلية في الثورة, كما أن لحظة انطلاق الثورة ساهم بعض الحزبيين (اشتراكيين وناصريين واصلاحيين) ولكن بصفتهم الوطنية في تفجير انطلاقتها, مع التأكيد على أن الفاعلية الإعلامية للثورة في الأيام الأولى كان يديرها في الأغلب شباب محسوبون على الاشتراكي والناصري, بعدها كان شباب وأعضاء المشترك ومنهم شباب الإصلاح متواجدين بقوة وإخلاص في ساحة الحرية بدفع حزبي غير معلن، مشكلين مع الشباب اللامنتمي والشيوخ والنساء والأطفال لوحة فنية بديعة لم تشهدها اليمن من قبل..ثم اكتظت الجماهير في مسيرات يومية واعتصام متواصل في ساحة الحرية. رابط المقال على الفيس بوك