الفهم الخاطئ للقضية الوطنية جعل البعض يتحدث وكأنه وكيل جزء من أبناء الوطن بينما الجزء الآخر لا يستحق أن يكون له وكلاء كما للجزء الأول، وللأسف الشديد الكل يتحول مدافعاً عن الجزء وبصورة لا تنم عن فهم أو دراية بما يجري على الواقع أو في المشهد السياسي، لذلك وجدنا في فعالية القضية الجنوبية، على سبيل المثال، في عدن شماليين يقولون إن القضية الجنوبية هي نتاج حرب صيف 1994م بينما الجنوبيون يقولون هي نتاج مرحلة سابقة فمنهم من أرجع أسبابها إلى 1968، كما تحدث الدكتور/ صالح باصرة، وآخرون أرجعوها إلى الأربعينات من القرن المنصرم، بينما تحدث البعض عن القضية الجنوبية بطريقة أخرى لا تعبر عن الوضع والواقع المتغير للوطن، فما حدث بعد عام 1990 هو حالة اندماج حقيقي بين الشطرين مسألة إعادة الوحدة أو اللٌحمة، وكما كان المناضل/ ياسر عرفات قد أطلق عليها عشية توقيع اتفاقية الوحدة في عدن 22 مايو 1990م.. المثير للاستغراب حقاً هو عدم التطرق من قبل كل الأطراف والمكونات الاجتماعية الوطنية للب المشكلة اليمنية بعمومها والقضية الجنوبية على وجه الخصوص، ولم يسأل أحد الساسة نفسه مثلاً لماذا برزت القضية الجنوبية؟ وما هي الأسباب الرئيسية لظهورها وبهذه الصورة المفزعة؟ الإجابة بكل تأكيد كانت هناك إشكالية اجتماعية اقتصادية في الجنوب قبل الوحدة لم يتم معالجتها ووضع حلول مرحلية للسيطرة عليها وإنهائها قبل أن تستفحل ويتعاظم أمرها وكما حدث لاحقاً.. إن إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو 1990م وبعد موافقة الهيئات الدستورية في الشطرين أمر محمود ولا غبار عليه، مع الأخذ في الاعتبار أن طرفاً من الأطراف كان يسعى إلى الفيدرالية خشية بروز إشكاليات اجتماعية قد تعيق عجلة الحياة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية في حين لم تكن لدى الطرف الآخر مثل هذه النظرة.. وبالمجمل فلم يكن لا علي عبدالله صالح ولا علي سالم البيض هما من يفكر ويقرر وبجرة قلم يحدث كل شيء وكما يتردد أحياناً، الأمر مختلف ومتغير لأنه كان هناك مجلس شورى في الشمال ومجلس الشعب الأعلى في الجنوب كان الرجوع إليهما حتى لو كان الأمر شكلياً فالمسألة تأخذ في القنوات التشريعية الشكلية كما يحلو للبعض تسميتها بعض الوقت، نقول إن تأميم الأراضي والمساكن في الشطر الجنوبي من الوطن قبل الوحدة قد أحدث شرخاً اجتماعياً واقتصادياً يصعب السيطرة عليه وردم الهوة أو الفجوة الاقتصادية بين المواطن الجنوبي والشمالي وبسهولة، خاصة وأن النظام الرأسمالي الذي كانت الدولة في الشمال تنتهجه قد حقق نمواً اقتصادياً شبه معقول مقارنة بما كانت عليه حكومة الجنوب والتي كانت تقف بالاتجاه المعاكس للرأسمالية ولم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ظناً منها أن الامبريالية والرجعية رجس من عمل الشيطان مثلها مثل ما كان مشائخ وعقال الشمال لا يحسنون الظن بالشيوعية التي لا تعترف بالإله ولا تقر إلا بالحرية المطلقة للفرد في حدود الشخصية، أما غير ذلك فالأمر مختلف، وفي الشمال كانت الحرية المطلقة هي مفسدة مطلقة.. وهكذا دواليك حتى يكتب الله أمراً كان مفعولاً.. وما نريد قوله هنا هو ألا نطلق الأحكام جزافاً حول القضية الجنوبية، وكأننا وحدنا من يدرك أبعادها وأسبابها، وكأن القضية الجنوبية وليدة اللحظة أو المرحلة يسهل على أي كان تناولها والخوض فيها..القضية الجنوبية أبعد من أن نلم بها لأنها تعود في أسبابها إلى مراحل سبقت إعادة تحقيق الوحدة مايو 90م، وهي أسباب فكرية واقتصادية ومجتمعية تركت دون معالجة، وهو الخطأ الذي وقع فيه كل المعنيين عند توقيع وإعلان الوحدة.. وما حدث بعد ذلك من أحداث وتطورات كان نتاجاً طبيعياً لما كان في السابق.. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك