يمثل الحوار أعظم الوسائل الحضارية، التي توصل إليها الذهن البشري لحل النزاعات والاختلافات بينهم عبر مراحل من الزمن لايعلم مداها إلا الله وحده؛ إذ لايوجد سبيل آخر يشبهه؛ إنه أقل السبل كلفة ونفقة في حل الخلافات وإصلاح ذات البين. إلى ذلك ف(الحوار) لايؤدي لظلم طرف لآخر إذا صدقت النوايا وسلمت المقاصد، على العكس من ذلك الحل الأمني والصراعات المسلحة التي غالبا ماتنتهي بالتهام الطرف الأقوى لخصمه الضعيف. هذه حقيقة ما من سبيل إلى إنكارها أو الجحود بها؛ إذ تمتلك من القوة ووقائع التاريخ والواقع ما يزيدها ثباتاً في ذهنيات العقلاء، وغير المكابرين، وفي تراثنا الاسلامي وتاريخه الناصع الكثير مما يسند هذه الحقيقة ويزيدها رسوخاً؛ إذ نجد الحوار مبثوثاً في القرآن الكريم وتضاعيف آياته الكريمات حتى مع أشد الناس خصومة للرسالات السماوية ومن نماذج ذلك توجيه الله تعالى لنبييه موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون مدعي الألوهية والأفاك الأثيم “اذهبا إلى فرعون إنه طغا فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى...” أجل! بهذا الوضوح وهذا الانفتاح حتى مع من قال: (أنا ربكم الأعلى) وبهذا الأسلوب “قولا له قولاً ليناً” والهدف “لعله يتذكر أو يخشى” أكثر من ذلك حاور الله إبليس مع علمه بعدم جدوى الحوار معه، وربما كان من حِكَم ذلك أن نعتاد الحوار فيما بيننا نحن بني البشر؛ إنه على الأقل يقرب وجهات النظر ويزيل شيئاً من احتقان النفوس وسخائم القلوب ويهيئ السبيل للمّ الشمل. على أن الحوار بين الناس لايؤتي ثماره المرجوة إلا بصدق النيات وسلامتها.. شيء آخر على جانب كبير من الأهمية في نجاح أي حوار؛ الندية وتساوي كل أطرافه حضوراً وقوة؛ لأن القوي لايمكنه أن يحاور الضعيف، إنه يحاوره شكلياً، ولكنه يلتهمه في النهاية ويزدرده. في اليمن يبدو أن الندية حاضرة وبقوة؛ الأمر الذي يجعل محاولة طرف الاستحواذ أو السيطرة أو فرض رأيه على الحوار وشكل الدولة والدستور أمراً صعبا وبعيد المنال، لاسيما وأن هناك موقفاً دولياً مسانداً للحوار ويدفع باتجاه حلحلة أزمات الوطن على أساس من الرضا بين الأطراف جميعها. أن تحل مشاكل اليمنيين ويلتئم جسد الوطن المتشظي بفعل الصراعات المستمرة، والنازفة فذلك مطلب ملح ويجب أن يكون؛ كما ويجب أن يجهد المتحاورون في سبيله طارحين كل مصالحهم الشخصية جانباً على حساب الوطن وأبنائه طالما ارتضوا الحوار مخرجاً. لانريد أن نتهم النيات ونقرأ الفنجان لنقول إن البعض ربما دخل مكرهاً للحوار لا عن قناعة تامة بأهميته دعونا هنا نفترض على الأقل أن الجميع مقتنعون به وسليمو النيات والمقاصد، ولكن هل سيكون الحوار آخر وصفة سحرية لعلاج شأننا الأكثر تعقيداً!؟ وهل سيلتزم الجميع بمقرراته!؟ ثمة من يرى أن المؤتمر لن يقدم وصفة سحرية للقضاء على كل أزمات البلد المستفحلة، على أنه قد يكون بداية صحيحة وجادة في هذا السبيل.. وذلك قد يكون أيضاً وأياً ما يكن الأمر، وأياً كانت الأشواط التي سيقطعها المتحاورون فإن الأهم الحفاظ على السفينة وحمايتها من الغرق. وأما هل سيلتزم الجميع بمقرراته!؟ الحق أن الخشية واردة أن يستنكف البعض ويشذ عن الإجماع ويتنكر لما اتفق عليه، لاسيما أولئك الذين ألفوا الاحتكام للغة السلاح، ولايتقنون غيره، يقتلون به الطفل والمرأة والشيخ الكبير، أولئك الذين لاينشدون الدولة المدنية ولا التبادل السلمي للسلطة؛ لأنهم يعرفون جيداً حجمهم الحقيقي، كما أن الخشية واردة من أن يكون الحوار شكلياً لايمس عمق المشكلة وجوهرها.. ذانك أمران من المهم جداً تجاوزهما للتأسيس لمستقبل أفضل. موقف يستحق الإشادة! كان موقفاً عظيماً وينم عن شجاعة وتجرد عن الذاتية وإرادة صادقة ما أعلنه رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح من تنازله عن مقعده في مؤتمر الحوار لشباب الساحات، ولكن أولئك الذين “لايعجبهم العجب ولا الصوم حتى في رمضان” راحوا غير موفقين يحمّلون الموقف فوق ما يحتمل ويفسرونه على أنه عدم اعتراف بالحوار أو هروب منه.. عجبي لهؤلاء رابط المقال على الفيس بوك