منذ عدة سنوات أصدر أحد قادة الكيان الصهيوني وهو شمعون بيريز كتاباً عنوانه “الشرق الأوسط الجديد” وهذا الكتاب في مضمونه ليس مجرد وجهة نظر، أو رؤية سياسية لمراحل الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن من يدقق في فصوله والمنطلق الذي يصدر منه، يدرك أن هذا الكتاب هو خطة عمل ينفذها هذا الكيان على فترات في مشروع الشرق الجديد. فهو دعوة إلى السلام، ولكنه يقوم على مركزية اسرائيل وقيادتها لكل المنطقة، وهذا لن يكون إلا بنهاية الدولة القومية في الشرق وتقسيمها إلى دويلات وأول خطوة في هذا الاتجاه، الفدراليات التي تحول الدولة إلى وحدات وتجمعات سكانية تحدد فيها الهوية من خلال المذهب والقبلية والطائفة والعرق واللهجة وغيرها من أسباب التمزق والتناحر على سيادة هذه الأوضاع التي تدل على الانهيار الكامل لوضع الدولة القومية في الشرق الأوسط. وهذا يسحب معه إلغاء عوامل ظلت لعقود تحدد هوية الإنسان العربي مثل الدين واللغة والتاريخ والجغرافية والثقافة والإرث الحضاري، وما نشهده من ميلاد مشاريع فدراليات في المنطقة يقدم لنا أكبر دليل، على أن ما جاء في كتاب « الشرق الأوسط الجديد” يسير نحو هدفه ولكن حسب ظروف كل مرحلة، ومما جاء في كتاب، قضية حروب العرب مع اسرائيل، فهي لم تحقق أي نتائج كما يرى شمعون بيريز، ولماذا لا يكون البديل عنها السلام، والاستراتيجية التوسعية لقادة اسرائيل، تظهر هنا من خلال المشاريع الاقتصادية العالمية والتي وضعت العالم العربي في دائرة اهتماماتها من قبل قيام دولة اسرائيل. بالعودة إلى مشاريع التقسيم في المنطقة وخفايا الدبلوماسية الغربية، ما كان تجاه سوريا قبل قرن من الزمان، حيث وضعت خارطة لتقسيم هذا البلد عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد تم الاتفاق بين أمريكا ولندن على تخويل فرنسا في تنفيذ هذا المشروع، وجاء في الخطة الفرنسية، أن يتم تحديد هوية سورية ولبنان على أسس الطائفية وتمثل هذا العمل في الإعلان عن دولة لبنان الكبير في شهر سبتمبر عام1920م، ودولة حلب 8 سبتمبر من نفس العام ودولة العلويين بتاريخ 23سبتمبر 1920م ودولة الدروز بتاريخ 20إبريل سنة 1921م ودولة دمشق. أما ليبيا فقد كان مخططاً لها أن تقسم بعد الحرب العالمية الثانية بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وغير هذه الأقطار العربية مثل العراق ومصر والجزائر، غير أن الفترات التاريخية وبالذات بعد اتفاقية سايكس بيكو لم تسمح بتنفيذ هذا المشروع. ولكن عقلية الغرب الساعية دوماً نحو السيطرة على العالم العربي لم تسقط من وعيها حسابات المكسب والخسارة في هذا المكان. وعندما جاء الربيع العربي، ظهرت كم هي هشة بنية الدولة في هذه الأقطار، فهي لم تطرح بعد اسقاط الحكام سوى مزيد من الأزمات والعجز في القيادة، وها هي ليبيا تشهد كل يوم ميلاد دويلة في مناطقها حتى يجيء يوم يصبح فيه اسم ليبيا مجرد حكاية عن الماضي، وحالة مثل هذه لا توجد دولة في الوطن العربي بعيدة عنها. والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية والقبلية التي تتسع كل يوم في واقعنا تدل على أن القادم يذهب بنا نحو مزيد من الانكسار والتناحر، وكل هذا يخدم بالدرجة الأولى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سوف يجعل من اسرائيل الدولة القادرة على التحكم في المنطقة بما تملك من خبرة ومعارف علمية وصناعات متطورة تجاوزت بها كل الدول العربية، وفي هذا الإطار تطرح مسألة الاستقرار السياسي الذي يخدم مصلحة اسرائيل، حيث يقول شمعون بيريز:( «إن الأصولية تشق طريقها سريعاً وعميقاً في كل بلد عربي في الشرق الأوسط، مهددة بذلك السلام الإقليمي ،ناهيك عن استقرار حكومات بعينها وإن وسائل الإعلام الغربية هي واحدة من الأطراف المسؤولة عن هذا النمو، ويتوفر للمتطرفين على شبكة اتصالات فوق قومية، مستثمرين بذلك التكنولوجيا التي يلهجون بالازدراء بها. ولما لم يكن هناك أي تشريع ديني يحظر استخدام وسائل الاتصالات العامة ، فإن الاصوليين قد تعلموا استخدام وسائل الإعلام بما يخدم أغراضهم. ان حملاتهم تستخدم الرموز الشعبية والدعاية ذات المستوى الرفيع للإيحاء بالنشاطات وكسب الانظار وثمة ضرورة للتصدي لهذا الخطر على نحو منظم بغية صون الحرية و السلام والاستقرار السياسي. والجواب على ذلك إذن، هو أن قيام هيكل اقليمي منظم سيخلق أطراً جديدة للمنطقة، ويوفر القدرة على النمو الاقتصادي والاجتماعي، وإطفاء نيران التطرف الديني وتبريد رياح الثورة الساخنة). إن الاقليمية هنا لا تقوم إلا على تمزيق الدولة القومية والتي يرى البعض، بأنها مرحلة انتهت من تاريخ المنطقة والتي لم توجد سوى الحكم الاستبدادي عبر حقب وسقطت فيها كل المراهنات على الحل القومي، أما عصر الفدراليات القادمة هو الحل كما ترى فيه دوائر صناعة السياسة في الغرب، فهل كانت الفوضى الخلافة هي بداية فتح الأبواب على تصاعد الصراعات في المنطقة؟ قراءة الواقع هي من ترد الجواب. رابط المقال على الفيس بوك