السيادة مفهوم سياسي متّصل بمفهوم الدولة من ناحيتين، الأولى: ناحية الأساس الدستوري للشرعية السياسية ومصدرية سلطة الحكم , حيث السيادة للشعب مبدأ معروف, أما الثانية: فتتصل بمفهوم الاستقلال السياسي في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية, على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولة المستقلة. يحتفظ الفكر السياسي , ومعه المواثيق الدولية والقانون الدولي بمفهوم السيادة, ويتعامل به حتى في الحالات التي تمثّل انتهاكاً للسيادة المعترف بها لدولة عضو في الأممالمتحدة, ورغم رواج الحديث عن سقوط مفهوم السيادة في ظل ظاهرة العولمة وما يعرف بالقرية الكونية الواحدة, إلا أن أصول علم السياسة وقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية تتمسك به في الخطاب والممارسات. التفريط بالسيادة الوطنية كان من الجرائم العظمى باعتباره خيانة وطنية ودستورية عظمى, وكان ارتكابه سبباً لثورات وانقلابات أطاحت بحكّام ونُظم, ومثّلت محورمكايدات سياسية بين القوى السياسية في السلطة والمعارضة, كما ظهر في الخطاب السياسي على الصعيدين الوطني والدولي, مفاهيم ونظريات في السياسة كما في الاقتصاد، منها مفاهيم التبعية والهيمنة والتنمية المستقلة وكذا عدم الانحياز والحياد الإيجابي وندية العلاقات بين الدول وغيرها. عموماً مع سقوط القطبية الثنائية في النظام الدولي عام 1990م, وطغيان الأحادية القطبية على الشرعية الدولية المتمثلة في الأممالمتحدة, وهيئاتها, بدأ مفهوم السيادة يتآكل في السياسة الخارجية للولايات المتحدةالامريكية, وهذا ما تجلّى واضحاً في اتجاهات السياسة الأمريكية نحو دول الوطن العربي , خصوصاً تلك التي أدرجتها واشنطن فيما أسمته محور الشر وهي: العراقوسوريا وليبيا والسودان. رفعت السياسة الأمريكية لوائي الإرهاب والاستبداد كغطاء لتبرير عدوانها على سيادة دول عربية, وتدخّلها في هذه الدول لتغيير نظام الحكم فيها إما بذريعة الارهاب, أو إسقاط الاستبداد وإقامة الديمقراطية, فكانت العراق أولى ضحايا هذه العدوانية الأمريكية, ثم ليبيا, ولا تزال سوريا في معترك المواجهة مع هذه العدوانية وتبدّلاتها. ما يهم هو افتراق المجال السياسي العربي بين فريقين، أحدهما يتمسّك بالسيادة والآخر يسقطها من حساباته بدعوى الحاجة إلى قوة أجنبية لإسقاط نُظم الاستبداد والانتقال إلى بديل ديمقراطي, غير أن التجربة التاريخية تؤكد أن سقوط السيادة بغزو أجنبي أسقط الدولة نفسها, وهذا حال العراق وليبيا, وبلدان أخرى على ذات الطريق. [email protected]