قبل ما يزيد عن ثَلاَثَةَ آلاف عَام انتهى عهد الملكة الجميلة بلقيس، والتي تميزت –بحسب كتب التاريخ-بإرسائها مجتمعاً مدنياً، وبتلك النهاية الغامضة انتهى عصر المدنية، ومنذ تلك المدة وحتّى الآن لم تتذوق هذه البلاد طعم المدنية ..! هل يمكن القول وبعد صبر تجاوز 70 قرناً بأن لا أمل للمجتمع في حياة مدنية خالية من التخلف.. خالية من القهر والحرمان؟ إذ يبدو أن انتهاء عصر تلك الملكة الجميلة قد سلّم عصا غليظة للقوى الرجعية لتضرب بها المجتمع في مفاصله كلما نهض وخطى الخطوة الأولى في رحلة المليون خطوة صوب المدنية.. ثَلاَثَةَ آلاف عَام منذ رحيلها الأسطوري وهذه البلاد لم تدخل عصر المدنية بعد.. تجد من يصرخ لقد دخلت هذه البلاد عصر المدنية في فترات سابقة.. ومن دون أن يتنبه إِلَى أنها شهدت خلال الثَلاَثَةَ الف عَام (3250) معركة وحرب وغارة بمعدل واحدة إلاّ ربع كل عَام وأن ذلك المشهد الدامي والممتد على خارطة مدمّرة لشهادة كبرى لا تكفي سعة السماء لتعليقه بأن اليمن لم تعرف بعد بلقيس عصر المدنية.. عصر لخصه القرآن في المقطع قَالَتْ{ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل : 32] والذي هو إشارة إِلَى أنها لم تتخذ الحرب من تلقاء نفسها كما اتخذه كل من تلاها طيلة الثَلاَثَةَ الف عام.. إنها محنة مضحكة أن تكتشف مجتمعا لم يتذوق طعم إِنسَانيته على شكل قانون عادل منذ ثَلاَثَةَ ألف عَام !! إِنسَان ولد ليشهد الحروب ..على صوت لعلعاتها يتزوج وعلى رمادها يضيء لياليه المظلمة وبسببها يقتل وبها يقتات... أن وقوع (3250) حرب وغارة في اليمن خلال تلك المدة حقيقة مؤكدة واذا لم تصدقوا فأحصوا كم معركة وغارة وحرب وقعت خلال العشر السنوات الماضية ...وبناء على ذلك قيسوا كيف يمكن أن يكتسب المجتمع الأمل بحياة مدنية خالية من القهر والحرمان في ظل انتصار الرجعية والتخلف.. أن المرء ليشك بان اليمن لم تعرف حياة القانون والعدالة والمساواة والحرية حتى في أيام بلقيس ذاتها! وإلاّ ما معنى أن مجتمعه لم يتمكن من العودة إليه طيلة الثَلاَثَةَ الف عَام ..هل استطاب نكهة الحرب وصار الدم ماءه وشظايا اللحم غذاءه وجلود النَّاس كساءه.. قد تكون الإجابة المنطقية.. نعم! [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر