في معرض القاهرة للكتاب أو في معرض صنعاء أو بيروت أو أية عاصمة عربية؛ هناك قطيعة بين المثقّف والكتاب فرضتها حالة المعيشة، وعزّزها سوء التخطيط والإدارة واهتمام الدولة بالمسمّيات على حساب التثقيف والتوعية، وإن كانت مختلفة من مكان إلى آخر. في الحالة المصرية تبدو القطيعة متراجعة لصالح المثقّف، حيث المبيعات هي الأقل سعراً، لأسباب أهمّها أن الدولة لا تفرض جمارك على الكتب المشاركة في المعارض من خارج مصر، ثم تؤجّر المساحة داخل المعرض بأسعار معقولة، وفوق ذلك خصّصت منشورات “مكتبة الأسرة” ووزارة الثقافة بأسعار رمزية، وهذا مشروع كانت قد أطلقته عقيلة الرئيس السابق “سوزان مبارك” حيث ظلّت تردّد مقولتها الشهيرة “مازلت أحلم أن يكون في كل بيت مكتبة” وبالفعل فإصدارات هذا المشروع ضخمة ومتنوّعة، بين الأدب والسياسة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس، وقضايا الفكر والثقافة، والأهم من ذلك ترجماتها المتعدّدة للإنتاجات القيمة، أما أسعارها فهي من سيمكن كل مواطن مصري من امتلاك مكتبة خاصة به، فأغلى كتاب من إصدار مكتبة الأسرة هو “مذاهب التفسير الإسلامي” للمستشرق “ايجناس جولدتسيهر” وقيمتها 8 جنيهات «240 ريالاً يمنياً». قبل سنوات قليلة عمد المشروع إلى ترجمة كتاب The Story of Civilization “قصّة الحضارة” للفيلسوف والمؤرّخ الأمريكي الشهير ويل ديورانت، وكتاب ضخم، تجاوزت أجزاؤه ال30 جزءاً، وكان كل جزء ب4 جنيهات فقط، أما الكتب الأدبية والثقافية فقيمتها جنيهان فقط (60 ريالاً) هذه هي الدولة التي ترى أن الثقافة مفتاح للتنمية، وأن العلم طريق إلى المستقبل الأفضل. لاتزال اليمن بحاجة ماسة إلى مشاريع مماثلة، بحاجة إلى أولاً بُنية تحتية في مجالات المسرح والسينما والموسيقى ودور النشر، بحاجة إلى إصدارات تنمّي عقول أبنائها وترشدهم إلى الوجهة الصحيحة، فرائحة البارود وأدخنة الحرائق التي انتجتها الجماعات المسلّحة كادت أن تقضي على أمل اليمنيين بالحياة الكريمة.