يُحكى أن فارساً ركب يوماً، يبحث عن مغامرة أو صيد..وما إن أوغل في البادية، حتى صادف رجلاً حسن السلاح..يمتطي فحلاًَ، من أجود الخيل.... تأمل كلاهما الأخر ملياً..ثم تبادلا الأنساب..كان أولهم من بني تميم، والثاني من كِندة.. سأل التميمي عن قصد الكندي فأجاب: ضاقت بنا الحال، فحملت سلاحي،وخرجت أطلب غزوة أو صيد..وأنت فيما خروجك؟ حالي يشبه حالك. رد التميمي بقنوط..ثم أضاف بودٍ مُخادعٍ مصنوع: مارأيك لو نترافق! ونتقاسم الصيد والأسلاب! فوافق الكندي مرحباً بحماسٍ زائف..ثم انطلقا معاً.. يبحثان عن طريدةٍ ملائمة.. كان مع الكندي سيفٌ هندي فاخر..برقت عيون التميمي عليه وتعلقت به..فصار يتحاش النظر إليه، حتى لاينفضح مابنفسه من رغبة وطمع..لكن هيهات تُدارى العيونً.. ولولا انشغال الكندي برمح التميمي، لفطن إلى مايدور حول السيف..كان التميمي يحمل رٌمحاً رومياً قصيراً، حدَّ السنان، تمناه الكندي وتاقت إليه نفسه فعزم على أخذه والسطو عليه..وهكذا راحا يتسايران شبه متجاورين.. يحاول كلاهما أن يتخلَّف عن الأخر. فيصير وراءه ، ليغدر به ويستولي على فرسه وسلاحه..كلما اضطر ضيق الطريق أحدهما على التقدم أسرع ليفصل بينه وبين شريكه بمسافة آمنة..ثم يحتال ليتخلَّف ويقدم رفيقه.. طالت بهم اللعبة وكلاهما قابضاً على سلاحه متوجاً ومستعداً للنزال..حتى بانت نيتهما واضحة للعيان وإن واصلاً كتمانها، ومداراتها بالقول والابتسام.. لمح الفارسان أرنباً برياً..فرشق التميمي سهماً في ظهره، أثبته في الأرض.. ولما اقتربا من الصيد قال الكندي متبسماً: الصيد صيدك فانزل وخذه..كان يكفي أن يترجَّل أحدهما عن مطيته، فيسهل الفتك به وسلبه..لكن فتى تميم لم يكن غراً..أجاب بابتسامة تفوق ابتسامة الكندي إتساعاً وقال: نعم هو صيدي لكني أهديته لك. ضحك الكندي لنباهة صاحبه وقال متعالياً: مثلي لاينزل من أجل أرنب..لوى عنق جواده..وغمزه ليعدو مخلفاً مسافة بينه وبين رفيقه..الذي تبعه مزهواً يتفاخر: ومثلي لايرجع فيأخذ ماأهداه. وسرعان ماتداعت الطيور اللاحمة، وأكلات الجيَّف على الصيد الحقير.. مع اقتراب الرجلين من أيكة، نفر منها بعض الغزلان..فلحقا بها..وأرسل الكندي سهماً محكماً..اخترق صدر أحدهما فبرك الغزال..ثم استلقى على جنبه بلا حراك. صاح الكندي مبتهجاً: هذا هو الصيد.. وهو هديتي لك..فخذه. ترفع التميمي وقال بصبر نافذ: لم تقبل هديتي حتى أقبل هديتك..الصيد لك..فترجّل لتحمله.. لقد اقترب وقت الغداء..أجابه الكندي متأففاً..والجوع يعتصر أحشائه: قد أهديته وكفى أنا لا أرجع عن الهدية حتى إذا لم يقبل بها أحد.. وما إن ابتعدا حتى وصلت بنات آوى والنسور..تتنافس مع غيرها من حيوانات، لا كبرياء فيها، على جثة الغزال الطازجة..كان لحمها مثل الفاكهة أو الحلوى، في أفواه اعتادت طعم الجيفة وبقايا الصيادين.. أدركا الحمير الوحشية ساكنة ترتوي من عين ماء.. فأفزعاها حتى تفرقت..ثم أطلقا السهام عليها..والعجيب أنهما اختارا الهدف ذاته عن غير اتفاق.. سقط الحمار السمين والسهام ناشبة في رقبته من الجهتين..فنظر كلاهما إلى الأخر..وتلاقت العيون..حتى كادا أن يتصارحا..لولا خشية كلاهما من سطوة غريمه وقوته..فعادا إلى المدارات والاحتيال. قد أصبناه معاً لكني أمنحك نصيبي فيه. سبق التميمي بالتنازل لرفيقة.. الذي تراجع حذراً وقال: أنا لا آكل من هذه الحمير..إن كنت جائعاً فتقدم، ونلْ منه ماتريد.. تبسم التميمي مغالباً ضيقه..وأجاب كاذباً: وأنا لا آكلها أيضاً..كما أني لست جائعاً، فلا حاجة لي فيها.. وآل الحمار أيضاً إلى الوحوش الصريحة عديمة الرياء.. üüü اشتدت الشمس على الرجلين وفرسيهما استبدا بهما الجوع والعطش..راحا يتصبران بإلتهام لقيمات يابسة..يزغم كلاهما أنه يستطيبها أكثر من اللحم..بينما كانا عاجزين عن إبتلاعها، لولا شرب الماء.. المشكلة كانت في قضاء الحاجة.. فبين الحذر والتربص، كيف عساها أن تكون! طال بهما الأمر حتى ملأَّه..وزهد كلاهما فيما يحمله للآخر.. اكتشفا سراً في نفسيهما، أن لاشيء يستحق كبت إراقة الماء.. أو يساوي إراحة الجسم، بإخراج فضلات الطعام فما إن أدركا مفترق طريق، حتى انفصلا..توادعا بدون لياقة على عجل..ثم اندفع كلُ إلى غايته.. أسرع التميمي حتى توارى عن رفيقه فوثب عن الفرس، ليتحرر من حمله الثقيل..لكن خاطره وسوس له بفكرة باهرة لابد أن شريكه السابق، يفعل الآن مثله..فإن ركب ولحق به، لأدركه بلا حول ولاقوة.. فانطلق يطوي الطريق والرمح مشرعاً في يده.. ليصطدم برفيقه الكندي الشاهر سيفه..والذي فكر مثله وظن أنها فرصته.. üüü تقاتل الرجلان بوحشية..كلاهما يريد الإجهاز على الآخر..كلاهما يعلم أن لا نجاة له، إلا في هلاك صاحبه.. وكلاهما يعاني ثقلاً في بطنه ومثانته.. جالت بهما الخيلان حتى عجزتا..فتابعا القتال راجلين..بينما انصرف الحصان والفرس معاً، دون ضغينة أو أحقاد. أعمل الكندي سيفه بمهارة، ممزقاً جسد غريمه، الذي أشبع الرمح طعناً حتى دق عظامه.. وهوى الرجلان.. لايعلم من يراهما، أيهما سيموت أولاً! لكنهما سيموتان بالتأكيد.. آخر ماشاهداه هو أنياب بنات آوى ومناقير النسور تنهش في جروحيهما وتقضي عليهما بالموت محصورين.