أن تكتب عن حقوق الأطفال في المجتمعات العربية معناه أن تسير على أشواك مدمية وتبحث عما لا وجود له.. عملياً لا نلمح أية حقوق للأطفال في البيت والمدرسة والشارع.. نحن بالكاد نحصل على فتاة حقوق للكبار. دخلت الفصل الدراسي فوجدت تلميذاتي في الصف الثامن تجهش ببكاء شديد وتنهدات تكاد تشق قلبها وسط طبطبات زميلاتها.. القصة ببساطة أن أحد التربويين الكبار في المدرسة نعتها ب«قليلة أدب»!! بسبب خطأ عادي ارتكبته. بعض أعزائي القراء يبتسم من قلبه.. هذه رفاهية يحلم بها كثيرون من الطلاب وعموم الأطفال.. هو نعتها «بقليلة أدب» فحسب، فهي طالبة محظوظة إذن..! يكفيها أنها سلمت من الضرب والتشبيه بالحيوانات وغيره. لا أعلم لماذا غاب عنا أن الأحاديث «سباب الإنسان فسق» «لعن المسلم كقتله» «المسلم أخو المسلم لا يحقره ولا...» إلخ تنطبق على الأبناء أيضاً كما والتلاميذ والأطفال عموماً.. كيف نقنع كثيراً من الآباء والأمهات «والعاملين!» في السلك التربوي أن هذه التصرفات إهدار لكرامة الطفل وانتقاص لإنسانيته، ناهيك عن تصرفات أخرى كالضرب المبرح والصراخ في الوجه.. إلخ. وإذا كانت هذه الانتهاكات بالآلاف وتمثل سلوكاً مألوفاً في المدارس «منابر التعليم ومنائر الحرية» وإذا كان أطفالنا لن يتعلموا فيها تقديس كرامتهم ولن يمارسوا صون حقوقهم، بل معظم ما هنالك من ممارسة استبداد مهين بحقهم، فمتى سيتعلمون هذه المبادئ والمثل؟ وأين إذن؟! وكيف سيكون تعاملهم مع غيرهم في قادمات الأيام؟؟. صفحات بيضاء يطبع فيها كل ماصور المربي وقالا. أما في البيت فمع قلة المتنفسات والمتنزهات صار أطفالنا متنفساً مثالياً لمشاكلنا وأعصابنا التالفة.. يصرخ مديرك أو مسؤولك في وجهك ويصب غضبه عليك فلا تجد من تنفس فيه هذا الغضب غير أولادك وأم أولادك، والمرأة يصرخ فيها زوجها «ويشخط وينخط» فلا تجد من تدعو عليه وتقدر على ضربه غير أطفالها، وكلٌ يستبد بمن قدر، ولأن الأطفال هم الحلقة الأضعف في المجتمع، فالجميع يمارس عليهم سطوته وقدراته الانتقامية بطريقة أو بأخرى. هم لا يريدون منا أن نحتفل بأعياد ميلادهم ، أو نمحهم الورود والهدايا المعبرة حاشا لله، فهذا بطر وترف بالنسبة ل 90% من أطفال اليمن حسب إحصائيات المتواضعة هم حتى لا يريدون منا أن نشجعهم على تجاوز أخطائهم والنهوض من عثراتهم الصغيرة.. غاية ما يتمنونه أن نكف أيدينا وألسنتنا عن العبث بكرامتهم وإراقة ماء وجوههم حال غضبنا منهم.. أو حال ساعدناهم في مذاكرة دورسهم«!». كم نحن بعيدون عن أطفالنا، وكم هم معذبون بنا، وإن خدعنا أنفسنا بغير ذلك!. في محور آخر أكثر سوءاً وأشد سوداوية «وأعتذر لقرائي الكرام عن مشاعري المحبطة في هذا الموضوع بالذات». أطفال الشوارع، عمالة الأطفال، تهريب الأطفال لدول الجوار، التحرش الجنسي والاستغلال الجسدي للأطفال، تسول الأطفال، التسرب من المدارس.. برلمان الأطفال«!». ياآآه.. كم الفرق صارخ بين الكلمات قبل النقاط، والكلمات بعدها، كالفرق تماماً بين ما نراه وما نسمعه «!». كالفرق تماماً بين لوك الكلمات والطنطنة بها وبين تنفيذها«!». الإحصائيات الرسمية مرعبة في مجال شقاءات الطفولة وعذاباتها ،والسير الرسمي والشعبي نحو طفولة آمنة وأجيالنا يتم ببطء شديد لا يتناسب مع مرارة واقعهم وحجم معاناتهم. الأمر أكبر من مجرد برلمان أطفال، بل يحتاج إلى توجه دولة ، ومنظمات مجتمع مدني تتكاثر بنوعية وتراكم متواترين، وقبل هذا وذلك ثقافة مجتمعية يشترك فيها الإعلام والمدرسة والمسجد تؤسس لاحترام الإنسان أياً كان وعدم المساس بحقوقه وكرامته التي كفلها الدين «ولقد كرمنا بني آدم» فكيف إذا كان هذا الإنسان طفلاً وفلذة كبد؟!. فيا آمال المستقبل، ويا وجه الإنسانية البريء المشرق.. لكمُ الله.. وللراسخين في العمل الاجتماعي النبيل أفراداً ومنظمات ومؤسسات.. كل التحية والتقدير.