في مأرب ثمة آثار أدهشتني وحفزتني للبحث عن علاقة تربط بين طريقة إنشاء المعابد السبئية والأجرام السماوية.. وفي المقابل هناك معبد الشمس والقمر ، حولهما يدور السؤال: لماذا سُمي أحدهما معبد الشمس والآخر معبد القمر؟! منذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض وهو منشد بكل جوارحه إلى السماء وما احتوته في فضاءاتها الواسعة من نجوم وكواكب وممرات عدة ، فكان امراً طبيعياً للإنسان الأول في بداية نشأته أن يتجه إلى السماء على الدوام وخاصة عندما تتعرض حياته للكوارث والأحداث المدمرة.. وقد تعززت الواجهة للإنسان نحو السماء عقب نزول الديانات السماوية ،وسيدنا ابراهيم عليه السلام قد كان أكثر الأنبياء تفكراً وتدبراً بأمر السماء وافلاكها وخاصة عندما رأى الشمس بازغة.. وهذا التوجه نحو السماء والتدبر في شؤون اجرامها هو الذي جعل العالم الفلكي يهتدي لصناعة أول منظار «تلسكوب» باتجاه النجوم وقبل هذا كله كانت عدد من الحضارات «قدماء المصريين الآشوريين» كانوا عندما يتخذون الاله لهم كانوا يحاكون السماء أو فصول السنة فالإنسان استطاع أن يصل إلى أهم الاكتشافات من خلال استخدامه للفضاء وعلم الفلك فالثورة المعلوماتية الانتاح استخدام للفضاء وسماواته. لمعرفة المزيد عن علم الفلك واهتمام العرب بهذا المجال نلتقي بعالم الفلك اليمني الدكتور عبدالحق سلطان القرشي ، الذي أدخل مقرر الفيزياء الفلكية ضمن منهج قسم الفيزياء بجامعة صنعاء لنتعرف أكثر على علم الفلك وعلى تجربته في هذا المجال ،حيث ساهم في نشر الكثير من المفاهيم العلمية وهو أول من وضع نمذجة فيزيائية لرؤية الأهلة ،كما تم اختياره العام الماضي من قبل السنة الدولية للفيزياء الشمسية..شخصية الأسبوع بمناسبة العام العالمي للفيزياء. ظهور علم الفلك ما هو علم الفلك باختصار؟ ومتى ظهر؟ يعتبر علم الفلك من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان ، حيث كانت السماء صافية ولا وجود للتلوث الناتج عن الإضاءة الصناعية ، كان الليل مظلما لا يضيئه إلا القمر وتلألؤ النجوم ، وكان الإنسان يحدد طريقه ليلاً عن طريق النجوم . والتاريخ يبين أن قدماء المصريين كانوا على دراية كبيرة بالفلك ، وقد استخدموه في بناء المعابد والأهرامات وقياس طول العام الذي بواسطته يتم تحديد فيضان النيل . أما حضارات بابل وآشور فإنها كانت غنية بمعلوماتها الفلكية حيث سجلوا خسوف القمر وقاسوا دورته وعرفوا حركته الظاهرية وعبدوا الكواكب السبعة .... وحيث إن الكواكب تظهر للمشاهد متحركة بين النجوم، لذا أطلق عليها الأقدمون (النجوم السيارة) وأطلقوا على النجوم أيضا (النجوم الثوابت) ليفرقوا بينها وبين الكواكب . كما أن حضارات الصين والهند والعرب قبل الإسلام سجل لهم التاريخ أعمالا فلكية متعددة . أما الحضارة اليونانية تميزت بالطابع الفلسفي حيث وضعت بعض الأفكار عن دوران الأجسام في السماء وهل الشمس مركز الكون أم الأرض ؟ وغيره من أن الكون أكبر من العالم المعروف بمرات كثيرة وأن النجوم والشمس يقعان في وسط السماء أما كلمة "فلك" فقد كانت تعني عند العرب "مدار النجم"، وكان يطلق على علم الفلك لدى العرب أسماء عدة منها: علم الهيئة،النجوم،التنجيم، بدون فصل بين علم الفلك والتنجيم، ونفس الأمر بالنسبة للمنجم، فهو الذي يشتغل بأحد العلمين أو بكليهما فالمنجم نفسه الفلكي حتى نهايات القرن التاسع عشر, كان علم الفلك علماً وصفياً أو رياضياً. حيث كان علماء الفلك يرسمون أو يأخذون صور الأجسام عبر تلسكوباتهم ويقومون بحساب مواعيد الكسوف أو الخسوف, أوضاع الكواكب أو أوضاع النجوم و المسافات إليها، الخ.. لكن علماء الفلك آنذاك افتقروا إلى فهم حقيقي للخواص الفيزيائية للنجوم أو العمليات التي كانت تحكم كيفية إشعاع وتطور هذه النجوم. بعد ذلك الوقت, القفزات المهمة في فهمنا للذرة و كيفية تفاعل المادة والطاقة سمح لعلماء الفلك أن يكتشفوا طرق العمل الداخلية المعقدة للكون عبر تطبيق قوانين الفيزياء في المجالات الواسعة. لهذا السبب, معظم علماء الفلك اليوم هم علماء "الفيزياء الفلكية" إدراك الفلك كمقرر دراسي حدثنا بشيء من الإيجاز عن علاقتك بعلم الفلك وعن مؤهلاتك العلمية في هذا المجال. بعد حصولي على درجة الدكتوراه في الفيزياء وعند التحاقي بجامعة صنعاء لم يكن علم الفلك يدرس فيها وقد حاولت جاهداً إدراج هذا العلم ضمن مقررات قسم الفيزياء حيث تمت الموافقة على إدراجه كمقرر اختياري في البداية ثم بعد ذلك كمقرر إجباري لنيل درجة البكالوريوس في الفيزياء والهدف من كل ذلك أن يكون طالب الفيزياء قد استوعب قبل تخرجه المفاهيم التالية والتي قد تكون مفيدة أيضاً للقارئ المهتم: * الأرض ليست مركز الكون بل هي عبارة عن كوكب يدور حول نجم متوسط من نجوم مجرة درب التبانة. ومجرة درب التبانة بدورها ليست إلا واحدة من بلايين المجرات الموجودة في كوننا المرئي. * نحن جزء من مكونات النجوم. والذرات التي نتكون منها بدأت كهيدروجين وهليوم لحظة "الانفجار العظيم" لتندمج بعد ذلك مكونة العناصر الثقيلة في النجوم الكثيفة. عند موت هذه النجوم تحررت تلك الذرات في الفضاء لتكرر دورتها في مجرتنا. حيث تكون نظامنا الشمسي من تلك الذرات قبل حوالي 4.6 بلايين سنة. * المسافات الفضائية كبيرة جداً (ذات أرقام فلكية!)، لكننا نستطيع التعبير عنها بالاستعانة بنماذج القياس المختلفة. عند التفكير في هذه الأبعاد الهائلة على الطالب أن لا ينسى أن كل نجم هو عبارة عن (شمس) وأن كل كوكب هو (عالم) منفرد. المادة والطاقة هما المكونان الرئيسان للكون. وبالتالي فإن فهم كل من المادة والطاقة والتفاعل بينهما مهم جداً لمعرفة الكون. ثورة كوبرنيكوس التي قضت على الاعتقاد القديم بأن الأرض مركز الكون لم تكن ثورة لحظية. وإنما استغرقت أ كثر من قرن من الرصد الدقيق و العمل التجريبي والنظري لعدد من المهتمين وبخاصة ، كوبرنيكوس، تايكو براخ، كبلر وجاليليو. اكتشاف نيوتن لقانون الجذب العام ساعده في شرح كيف أن الجاذبية تحفظ الكواكب في مداراتها. ويمكن ما هو أهم وهو أن القوانين الفيزيائية التي نشاهدها على الأرض هي نفسها في كل أرجاء الكون، "عولمة" الكون هذه فتحت الكون على مصراعيه ليصبح مجالاً للدراسة البشرية. بدراسة أطياف الأجرام البعيدة نستطيع تحديد مكوناتها ومعرفة درجة حرارة أسطحها وهل هي تقترب أم تبتعد عنا وكم هو معدل دورتها حول نفسها.. الخ .. بدراسة السرعات المدارية للنجوم والسحب الغازية حول مركز المجرة نستطيع تحديد التوزيع الكتلي في مجرة درب التبانة. الكون مليء بالمجرات مختلفة الأشكال والأحجام. نمذجة لرؤية الأهلة ما هي الظواهر الفلكية التي تهتم بها؟وكيف يتم تحديد الحوادث الكونية (مثل الخسوف والكسوف)؟ منذ عدة سنوات أخذ القمر معظم اهتمامي وبالذات رؤية الأهلة وكل أبحاثي المنشورة خلال الخمس السنوات تتركز حول عمل نمذجة فيزيائية لرؤية الأهلة وجميع هذه الأبحاث موجودة في موقع الاتحاد العالمي لمراقبة الأهلة:http://www.icoproject.org/paper.html أما بالنسبة للكسوف والخسوف فكما قلت سابقاً أن البابليين هم أول من رصد ذلك وحددوا دورة كل من الكسوف والخسوف وكيفية التنبؤ بذلك عبر الدورة التي تسمى (الساروس) والتي فترتها حوالي 18 سنة وعدة أشهر. المنجمون والفلك هل للمنجمين علاقة بعلم الفلك؟ علم الفلك " astronomy " كلمة يونانية مؤلفة من مقطعين: (astro وتعني نجم) و (nomy وتعني قانون..).. بينما التنجيم (astrology) مؤلفة أيضاً من مقطعين: (astro وتعني نجم) و(logy وتعني علم) أي علم النجوم رغم أن ذلك بعيد جدا عما تعنيه كلمة "علم" كما قلت سابقاً إنه لم يكن يوجد فرق كبير بين الفلكي والمنجم ولكن العلماء اليوم يفرّقون بين علم الفلك (الأسترونومي) كعلم قائم بحد ذاته، وبين التنجيم (الأسترولوجي) كفرع لم يعد له علاقة بالعلم، فنستطيع بكل ثقة أن نقول إنه "تجارة" أو "دجل" أو شيء من هذا.. وغالباً عندما يوجه لي هذا السؤال يكون جوابي: الفرق بين علم الفلك وعلم التنجيم يشبه الفرق بين وكالة "ناسا" وصاحب بيت الفقيه!! اليمنيون وعلم الفلك حدثنا عن علاقة اليمنين بعلم الفلك كان اليمنيون شغوفين بالسماء ونجومها في الأزمان الغابرة، حيث يحدثنا المؤرخون أن الديانات السماوية القديمة لا تخرج عن الثلاثي: الشمس، القمر، الزهرة. حتى الآن لا نعرف شيئا عن علاقة السبئيين والحميريين بعلم الفلك وتطبيقاته في حياتهم اليومية رغم تأكدنا من وجود هذه العلاقة والتي تؤكدها مئات النقوش التي تصف القرابين المقدمة بشكل أساس للشمس أو القمر أو الزهرة، نأمل في فك رموز هذه العلاقة عن طريق دراسة النقوش ودراسة الأشكال الهندسية التي بنيت على أساسها المعابد كما أن النقوش الجديدة والتي لم يطلع الباحثون عليها بعد - معظم النقوش السبئية مازالت مدفونة في معبد أوام أي محرم بلقيس! أما علم الفلك في اليمن بعد الإسلام فقد ربط حركة السماء الليلية وتغيرها خلال العام بالفصول الزراعية ومواسم الأمطار وقسم مسار القمر بين النجوم إلى 82 منزلة قمرية. وقد ترك اليمنيون كماً هائلاً من الوثائق والجداول والادوات الفلكية. لا نعني بقولنا هذا إن اليمنيين كانوا موهوبين في الجانب الفلكي بل نعني بذلك أن سماء اليمن كانت وما زالت صافية. ولكن رغم صفاء سماء اليمن لم تجر أبحاث علمية جادة إلا إذا استثنينا بعض الدراسات الفلكية التي تمت باستخدام العين المجردة وهذا يعود في الأساس لعدم وجود الأجهزة الضرورية اللازمة للبحث العلمي كتلسكوب رفيع المستوى. العرب آخر المهتمين مامدى اهتمام بلادنا بعلم الفلك؟ اليمن لا تختلف كثيراً عن بقية دول المنطقة حيث يقبع العلم بشكل عام وعلم الفلك بشكل خاص في آخر درجة من سلم اهتماماتها! كيف تفسر إهمال الدولة لهذا العلم؟ الأولويات معروفة بالنسبة للحكام في الدول العربية وهي: - الأمن (أي أمن الحاكم وليس المحكومين) - شراء ترسانات الأسلحة التي تستخدم لضرب الشعوب التي دفعت ثمنها هناك أنباء تفيد أن موقع اليمن يؤهلها لإنشاء مرصد فلكي إقليمي ؟ما صحة ذلك؟ فعلاً وقد قمت ببحث أولي في هذا الموضوع مع أحد الباحثين الفرنسيين ويمكن للقارئ الإطلاع على البحث في موقع وكالة ناسا التي تستضيفه جامعة هارفارد: http://www.adsabs.harvard.edu/ كيف تقضي وقتك اليومي؟ قبل حوالي ثلاثة أشهر كنت في زيارة لدولة عمان الشقيقة تلبية لدعوة من المركز الفلكي التابع لشركة نفط عمان حيث ألقيت محاضرتين علميتين عن القمر ورؤية الأهلة وقد تطرقت المحاضرتان ضمن ما تطرقتا إليه إلى المعتقدات الدينية قبل الإسلام وقد ذكرت كمثال لذلك معبد الشمس ومعبد القمر في اليمن وقد سألني أحد الحاضرين: لماذا سمي أحدهما معبد القمر بينما الثاني معبد الشمس؟ أثار ذلك السؤال فضولي العلمي حيث إنني زرت مدينة مأرب مباشرة بعد عودتي من عمان وقد أدهشتني تلك الآثار وحفزتني للبحث عن علاقة تربط بين طريقة إنشاء المعابد السبئية وحركة الأجرام السماوية هذا ما يشغل معظم وقتي هذه الأيام ما هي أمنيتك ؟ أن لا يقتطع شيء من حديثي كلمة أخيرة؟ اشكرك محطات تعليمية وبحثية لدكتور عبد الحق سلطان يقوم أ.دعبد الحق سلطان بتدريس الفيزياء الفلكية منذ أكثر من عشر سنوات بدون انقطاع في مساق البكالوريوس ومنذ ثلاث سنوات في مساق الماجستير. من المحطات التعليمية والبحثية للدكتور عبد الحق سلطان ما يلي: أدخل مقرر الفيزياء الفلكية ليكون مقرراً اختيارياً ضمن منهاج قسم الفيزياء جامعة صنعاء، أصبح هذا المقرر إجبارياً لنيل درجة البكالوريوس في الفيزياء ود عبد الحق سلطان هو أول من بين أن جبال اليمن هي أنسب مكان لإنشاء مرصد فلكي إقليمي ( انظر البحث المنشور في مجلة UNPSA الأمريكية للعام 2002). أول من وضع نمذجة فيزيائية لرؤية الأهلة (انظر الأبحاث الاربعة المنشورة في مجلة "الأوبزرفتوري" البريطانية للأعوام 2004-2005-2006،2007). أول من وضع جداول موحدة لأوقات الصلاة لعواصم محافظات الجمهورية (انظر لبحث المنشور في مجلة JIG اليابانية للعام 2004). ساهم في نشر الكثير من المفاهيم العلمية في أوساط القراء بنشر مئات المقالات العلمية المبسطة في الصحف المحلية خلال العشرين سنة الماضية وفي أوساط مشاهدي التلفزيون بتقديم عدة برامج علمية في مناسبات مختلفة.