تعز.. مسلحون على متن أطقم عسكرية يعتدون على محكمة ويختطفون ضابط أمنها    مجلة أميركية: الحوثيون يستغلون تجارة الكبتاجون المخدر في تمويل عملياتهم العسكرية    شهداء وجرحى بقصف إسرائيلي استهدف دير البلح وسط قطاع غزة    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    السامعي والخطاب التصالحي الوطني    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    تعزيزات مرتبات شهر يونيو 2025    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    العالم مع قيام دولة فلسطينية    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    جحيم المرحلة الرابعة    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    ألغام في طريق الكرامة    إعلان قضائي    مرض الفشل الكلوي (15)    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة ضد الأئمة والبريطانيين
ترابط مصيري وبطولات نادرة
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2009

تعرض اليمن إلى غزوات واحتلال من قبل القوى الأجنبية لموقعه الجغرافي الاستراتيجي على الطرق التجارية البحرية وربطه البحر العربي بالبحر الأحمر من خلال مضيق باب المندب، ولذلك هاجمه العثمانيون الأتراك والبرتغاليون منذ القرن السادس عشر، ولم يقف الشعب العربي في اليمن مكتوف الأيادي أمام هذه الغزوات، بل قاومها دفاعاً عن أرضه واستقلاله.وبقدر تعلق الأمر بالبريطانيين فإن ميناء عدن كان بالنسبة لهم مرفأً حيوياً على طريق الهند فاحتلوها في يناير 1839، وقد قاومهم أهل عدن ودافعوا عن قلعتها وصمدوا فيها رافضي التسليم لكن الجنود البريطانيين تمكنوا من احتلال الميناء ليضع البريطانيون أقدامهم في عدن، ولتبدأ المقاومة ضدهم بكل أشكالها العسكرية والسياسية، وكان الشعور الوطني المتنامي ضد الاستعمار البريطاني قد جعل حتى المجندين من اليمنيين يقفون ضدهم ففي عام 1907 رفض المتدربون اليمنيون في أحد المعسكرات البريطانية قرب عدن الأوامر بالتحرك لقمع إحدى القبائل الثائرة، وكانت المفاجأة أن قتل المجندون اليمنيون قائد المعسكر وضابطه واستولوا على الأسلحة والذخائر والتحقوا بالثوار لتتعزز المقاومة اليمنية برجال مدربين بخبرات إنكليزية وأسلحة وذخائر من مصانع بريطانية .
مقاومة الرجعية
إن مقاومة الشعب اليمني لم تقتصر ضد البريطانيين الذين احتلوا جنوب اليمن، بل تفجرت في الوقت نفسه ضد حكم عائلة حميد الدين التي كانت تحكم شمال اليمن فبعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى حصل شمال اليمن على استقلاله عام 1918، الأمر الذي أدى إلى اشتداد النضال الوطني في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه من أجل تحقيق الاستقلال وإعادة الجزء المغتصب في الجنوب إلى أرض الوطن الأم، لكن حكم الإمام يحيى جاء مخيباً لآمال الشعب خصوصاً عندما وقّع مع البريطانيين اتفاقية صنعاء عام 1934 التي اعترف فيها ضمناً بالوجود البريطاني في عدن فكانت هذه الاتفاقية البداية الحقيقية لتعدي أحرار وطلائع الشعب اليمنية لسياسة الإمام التي فرضت حالة من الجمود والعزلة على اليمن فظهرت حركة الأحرار اليمنيين التي عارضت عناصرها علانية حكم بيت حميد الدين وولد عنها حزب الأحرار الذي انتقلت عناصره إلى عدن لتعقد مؤتمراتها العامة معلنة مولد الحزب على طريق النضال ضد التخلف والرجعية، وقد شكل حزب الأحرار خطراً جسيماً على حكم الإمامة ثم ظهر بتشكيل جديد أطلق على نفسه (الجمعية اليمنية الكبرى) عام 1946 وانخرطت فيها الكثير من العناصر والشخصيات الوطنية البارزة بما فيهم سيف الحق إبراهيم نجل الإمام يحيى من أجل القضاء على التخلف في الشمال كخطوة أولى على طريق تحرير عدن من البريطانيين .
محاولة التغيير الأولى
لقد سخّرت هذه الجمعية جميع الطاقات للقيام بثورة 1948 التي تمكنت من استلام السلطة لثلاثة أسابيع بعد قتل الإمام يحيى إلا أن الإمام أحمد تمكن من استعادة الحكم وتصفية قادة الثورة وفي مقدمتهم الضابط العراقي الرئيس جمال جميل الذي أعدم على يد الإمام الجديد مع بقية قادة الثورة الأحرار.
وفي الوقت نفسه كان نضال اليمنيين في عدن مرتبطاً بنضال إخوانهم في الشمال وقد توافق هذا مع ممارسات قمعية قام بها الاحتلال البريطاني ضد المقاومة الوطنية وحين أطلت مرحلة الخمسينيات وتفجرت معها ثورة مصر عام 1952 بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر تأثر بها رواد الفكر والثورة في اليمن حيث لم يعد هدفهم الإصلاح داخل النظام الإمامي أو البحث عن إمام آخر يحل محله في الحكم بل بدءوا ولأول مرة يناقشون مسألة تبني قيام النظام الجمهوري في اليمن بدلاً عن نظام الإمامة وتحقيق وحدة اليمن عن طريق الوحدة العربية في الوقت الذي ارتفعت الأصوات في عدن مؤيدة هذا التوجه الجديد لإعادة توحيد اليمن .
حركة الجيش
إن تصاعد روح المقاومة في اليمن وارتفاع المعنويات مع تصاعد المد القومي لثورة عبدالناصر قد شجع ضباط الجيش اليمني على القيام بانتفاضة ضد الإمام أحمد في مدينة تعز في 31 مارس 1955 وقد أطلق على هذه الانتفاضة اسم (حركة الجيش) بقيادة المقدم أحمد يحيى الثلايا وانضم إليها اثنان من إخوة الإمام أحمد. ولقد أجبر الضابط الإمام أحمد على توقيع وثيقة التنازل بعد أن اعتقلوه في قصره بتعز إلا أن النزاعات الداخلية بين بعض قيادات الجيش قد أدت إلى فشل هذه الانتفاضة الوطنية الجديدة .
انتفاضة القبائل
لم تتوقف المقاومة ضد حكم الأئمة في اليمن وتصاعدت بشكل واضح في فترة الخمسينيات وكانت قبيلة حاشد من أبرز القبائل اليمنية التي وقفت بوجه انحرافات الإمام أحمد ولهذه القبيلة تاريخ عريق ضد المحتلين منذ أيام العثمانيين عندما تحالف الإمام مع الأتراك بينما قبيلة حاشد وبعض من قبائل بكيل المتحالفة معها تعتبر الأتراك محتلين ومغتصبين لأرض اليمن، ولهذا كان الإمام يحيى يهاب الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر شيخ مشايخ حاشد وكان يتودد إليه ولكن بعد وفاة الشيخ ناصر بدأ الإمام يظهر العداء لأبناء الشيخ ناصر الذين ثاروا ضده بالتحالف مع شيبان وقد بدأت المواجهة في حجة وتمكن الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر ومحسن شيبان من الاستيلاء على قاهرة حجة وبعض حصونها مما اضطر الإمام يحيى إلى إرسال الوسطاء لحل القضية سلمياً إلا أن الشيخ ناصر الأحمر اضطر أن يقود قواته للسيطرة على حجة مرة أخرى بعد أن قام الإمام أحمد بن يحيى بتخريب البيوت والتحصن فيها وهكذا استمرت مقاومة آل الأحمر لحكم الأئمة وفي عام 1948 تباطأ الشيخ حسين الأحمر متعهداً في الاستجابة لطلب الإمام أحمد بمساندته ضد ثورة 1948 مما أثار استياء الإمام أحمد وزاد من ضغائنه ضد آل الأحمر ومحاولاته الإساءة إليهم وحبس بعض قادتهم أو فرض الإقامة الجبرية عليهم .
أزيز الرصاص
وفي أواخر الخمسينيات قاد الشيخ حميد الأحمر انتفاضة ضد الإمام أحمد الذي كان في إيطاليا للعلاج عام 1958 فقد قام جنود الجيش بحركات احتجاجية في تعز وإب وصنعاء مما أثار مخاوف ولي العهد البدر الذي طلب من مشايخ القبائل وفي مقدمتهم آل الأحمر التعجيل بدخول صنعاء فاستغل الشيخ حميد الأحمر هذه الفرصة يسانده عدد من المشايخ مثل الشيخ سنان أبو لحوم والقاضي أحمد السياغي وقاموا بتوعية مشايخ القبائل وتعبئتهم ضد الحكم القائم وضرورة تغيير الأوضاع ونشأة قواسم مشتركة من خلال القاضي عبد السلام صبرة بين المشايخ ورجال الدين والمثقفين وضابط الجيش والأمن فأثارت هذه التطورات مخاوف الإمام أحمد وهو في إيطاليا خصوماً بعد ازدياد شعبية الشيخ حميد الأحمر الذي التف حوله مشايخ القبائل بحيث إن دخوله صنعاء مع قبائل صعدة قد حظي باستقبال شعبي كبير وسط أزيز الرصاص وزغاريد النسوة وأهازيج وترحيب رجال القبائل .
إن هذه الانتفاضة الشعبية قد دفعت الإمام أحمد بالنتيجة إلى إعدام كل من الشيخ حميد الأحمر وولده حسين بن ناصر الأحمر عام 1959 مما كان له الأثر الكبير بالتعجيل بزوال حكم الأئمة في اليمن .
عملية الحديدة
في عام 1961 أطلق ضابطان من الضابط الأحرار النار على الإمام أحمد في الحديدة فأصاباه إصابة بليغة ظل يعاني منها إلى أن توفي في 19 سبتمبر 1962 وتولى من بعده ولده الأكبر البدر الذي لم يستمر حكمه سوى أسبوع لينهى بقيام الثورة في 26 سبتمبر 1962.
إنقاذ اليمن
إن هذه الثورات والانتفاضات المتتالية التي قام بها شعب اليمن ضد حكم الإمامة والاستعمار البريطاني قد تتوجت بالنتيجة بقيام الجبهة الوطنية المتحدة عام 1955 والتي ضمت جميع القوى المناوئة للاستعمار وبعدها قامت الجبهة القومية التي قادت الكفاح الوطني حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 بقيادة تنظيم الضباط الأحرار لتنقذ اليمن وإلى الأبد من الحكم الإمامي المتخلف ولتفتح الطريق أمام قيام ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1963 للتخلص من الاستعمار البريطاني في عدن.
المنعطف التاريخي
لقد شكلت ثورة 26 سبتمبر 1962 منعطفاً تاريخياً مهماً في تاريخ اليمن، فهي أول إنجاز حقيقي نحو إعادة توحيد الوطن المجزأ وبناء الدولة اليمنية الواحدة على كامل ترابه، لذلك كان في مقدمة أهدافها بعد القضاء على النظام الإمامي هو مقاومة الاستعمار البريطاني وطرده من الجنوب وقيام اليمن الموحد، وعليه أمر المشير عبد الله السلال بفتح مكتب لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وأعلن دعمه لنضال الحركة الوطنية فيه ووجه مجلس قيادة الثورة نداء إلى أبناء الشعب اليمني ناشدهم فيه الدفاع عن الثورة أمام العدوان المبكر ضدها الذي نظمه الملكيون المندحرون بدعم قوى خارجية، واستجابة لهذا النداء هب آلاف الوطنيين المتطوعين وخاصة في عدن وردفان والضالع ومناطق أخرى الذين التحقوا بمعسكرات التدريب لحماية الثورة وترك الجنود والضباط الخدمة العسكرية في الجنوب والمقاتلين من القبائل ليلتحقوا بمعسكرات التدريب في تعز.
مأزق العجوز البريطاني
لقد جاء فتح مكتب لجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل استجابة لنداء القوى الوطنية التي عقدت اجتماعاً موسعاً في مارس 1963 تمخضت عنه لجنة تحضيرية أعلنت بتشكيل الجبهة القومية والتي سميت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني وافتتح في تعز الجهاز العربي المصري لدعم نضال الجنوب وهكذا أصبحت ساحة الشمال مكاناً للدفاع عن الثورة ضد فلول الملكيين وقاعدة لإنطلاق النضال الوطني من أجل تحرير الجنوب من البريطانيين والذي تتوج بقيام ثورة 14 أكتوبر 1963 التي وضعت مقاومتها المسلحة البريطانيين أمام الأمر الواقع ليحمل العجوز البريطاني عصاه ويرحل عن اليمن يوم 30 نوفمبر 1967 ليفتح الباب على مصراعيه أمام إعادة توحيد اليمن .
شجاعة نادرة
لقد سطرت ثورة أكتوبر 1963 سجلاً حافلاً بالنضال والتضحية خلال السنوات الأربع للثورة، وتنقل لنا الوثائق البريطانية السرية ومذكرات الضباط البريطانيين العديد من الأحداث والبطولات، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ قصة الشيخ ابن عواس في لحج بعد قيام ثورة أكتوبر والذي يقود المقاومة ضد الإنكليز حين أرسل بطلبه المستر ديفي الذي أوكلت له سلطة الاحتلال مهمة قمع الثورة لكنه تجاهل أمره بالحضور فذهب إليه ديفي بنفسه مع قواته وحاول إهانته فما كان من ابن عواس إلا أن سحب بندقيته وقتل ديفي لكن الجنود البريطانيين أطلقوا الرصاص عليه فسقط شهيداً بعد أن طوى صفحة أبشع جرم في صفوف قوات الاحتلال البريطاني.
فرادة يمنية
ويروي المقدم (هارولدف جاكوب) المساعد الأول للمندوب السامي البريطاني في كتابه (ملوك شبه الجزيرة العربية) الذي ألفه عام 1923 أنه عندما تولى غدارة قعطبة حضر ذات يوم وليمة عند أحد المشايخ وخلالها وردت أنباء عن قيام حامية إنجليزية بالتعرض لبعض الأهالي وقتل عدد منهم فاسشتاظ الشيخ غضباً وطلب من جاكوب مغادرة المكان فوراً لأن رجاله قرروا الرد على تلك الجريمة والإغارة على ثكنات القوات البريطانية بعد صلاة العصر وأن على البريطانيين الاستعداد للموت، ويضيف جاكوب أنه كان بوسعهم قتلنا بسهولة لكنهم تعاملوا معنا بشجاعة فائقة لمجرد أننا كنا ضيوفهم.
أهداف تدريبية
ولعل من أروع ما يمكن أن يقرأه المرء عن إرادة التحدي والإقدام التي تحلى بها اليمنيون في كفاحهم ضد الاستعمار البريطاني هو ما ترجمه تقرير الاستخبارات البريطانية الصادر في شهر يوليو 1966 وقد جاء فيه ما نصه: (لقد أظهرت تحركت سرية في الكتيبة الأولى من فرقة (ذي برنس أوف ويلزم أون) من عدن إلى مكيراس في ديسمبر عام 1965 استلم قائدها في غضون أربع وعشرين ساعة من وصولهم رسالة من زعيم المنشقين المحليين (يقصد قائد المقاومة المسلحة اليمنية) يقول فيها؛(نرحب بالكابتن نفيل وسريته إلى مكيراس ونتمنى له زيارة سعيدة، ويؤسفنا أن نبلغه بأننا سنقلق بعض لياليه بنيران قذائف المورتر وذلك لحاجتنا إلى تمرين حي على أهداف حية).
المجابهة المباشرة
هذه مجرد نماذج للمقاومة الباسلة التي أقضت مضاجع البريطانيين المحتلين والتي تحولت من مرحلة العمل السري إلى المجابهة المباشرة مع المحتلين منذ أواخر عام 1966 وحتى انتصار الثورة عام 1967 ،فقد تميزت العمليات العسكرية بالتحرك المكشوف والتمركز على سطوح المنازل وخوض معارك الشوارع ضد الدوريات وقوات الاحتلال مما اضطر المحتلين البريطانيين إلى إجلاء عائلهم وترحيلها إلى أن جاءت المعركة الأخيرة التي تحولت فيها عدن بالفعل إلى ساحة معركة دموية بين قوات المقاومة والقوات البريطانية .
الرد على نكسة العرب
إن يوم 20 يونيو 1967 الذي تم فيه تحرير عدن من قبل الثوار لمدة أسبوعين يمثل ذروة الكفاح المسلح في جبهة عدن، وقد أجمعت الوثائق العسكرية السرية البريطانية أن جبهة عدن كانت من أعنف جبهات القبائل التي واجهتها بريطانيا بعد أن وسع فدائيو الجبهة القتال من الريف إلى عدن، والذي اعتبر رداً على نكسة 5 حزيران عام 1967 ولم يستطع قائد قوات المظلات البريطانية نعمفري تريفليان اقتحام عدن إلا بعد أن تكبد خسائر جسيمة في القتلى والجرحى.
سايغون جديدة
لقد وصف المندوب السامي البريطاني (كندي ترافيسكى) استيلاء الثوار على عدن في كتابه (ظلال الكهرمان) فقال بأن هذه العملية كانت بمثابة المسمار الأخير في بقاء بريطانيا العظمى في مستعمرة عدن أو سندريلا الإمبراطورية البريطانية وأصبحت حكومة الاتحاد التي أنشأها البريطانيون ريشة في مهب الريح وتحولت عدن إلى سايغون جديدة بفعل العزيمة والتخطيط الدقيق للعمليات العسكرية التي قامت بها الثورة ومقاومتها الباسلة والتي وصلت ذروتها عندما وقعت عدن في قبضة الثوار في العشرين من يونيو 1967 ولمدة أسبوعين.
رعب كمائن المقاومة
لقد علق أحد مراسلي الإذاعة البريطانية (BBC) على معارك جبهة عدن بالقول: إن الثوار كانوا في الليل يسيطرون سيطرة شبه كاملة على مدينة عدن وفي الصباح تصير المدينة بيد القوات البريطانية إلى أن جاء الوقت الذي صارت فيه بيد المقاومة ليلاً ونهاراً بعد أن فقد البريطانيون السيطرة الكاملة على العمليات العسكرية في جبهة عدن، بل وصل الأمر إلى أن الدوريات البريطانية كانت تتحاشى الدخول إلى شوارع الشيخ عثمان والمنصورة وكريتر لتتجنب كمائن المقاومة اليمنية الباسلة.
حرب مكشوفة
لم تكتف المقاومة بذلك، بل سيطرت تماماً على الشيخ عثمان وشوهد الثوار في الشوارع وهم يحملون أسلحتهم ويرفعون أصابعهم بعلامة النصر وقد وصفت الوثائق البريطانية معارك الشيخ عثمان منذ السادس من أبريل 1967 وحتى التحرير بالقول:(وفي الشيخ عثمان والمنصورة أصبحت المعركة عبارة عن حرب مكشوفة تستخدم فيها كافة الأسلحة على نطاق لم يعهد مثله من قبل في عدن).
الترابط المصيري
إن هذه المقاومة الباسلة التي قدم فيها الشعب اليمني آلاف الشهداء على مذبح الحرية قد أنهت الوجود البريطاني في اليمن برحيله عن أرضه الطاهرة يوم 30 نوفمبر 1967، وإن هذا اليوم لم يكن يوم نصر يمني فقط، وإنما كان يوماً استعادت فيه الأمة العربية بعضاً من هيبتها وكرامتها التي جرحتها نكسة الخامس من يونيو/ حزيران 1967، كما أن هذا اليوم يمثل مرحلة مهمة من مراحل الثورة التي بدأت في 26 سبتمبر 1962 لتكون شاهداً على الترابط المصيري في معارك الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري في شمال الوطن والتحرير من النظام الاستعماري في الجنوب، وأهمية هذا الترابط في القضاء على نظام الإمامة والاستعمار البريطاني وفي إعادة توحيد اليمن الواحد بخطوات متتابعة انتهت بقيام الوحدة اليمنية الصلبة يوم 22 مايو/آيار 1990 بقيادة فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.