يقول الأستاذ أحمد حسن الزيات في كتابه “تاريخ الأدب العربي”: ليس في مقدور الباحث اليوم أن يكشف عن أطوار النشأة الأولى للغة العربية، لأن التاريخ لم يسايرها إلا وهي في وفرة الشباب والنماء. والنصوص الحجرية التي أخرجت من بطون الجزيرة لا تزال لندرتها قليلة الغناء؛ وحدوث هذه الأطوار التي أتت على اللغة فوحَدت لهجاتها وهذبت كلماتها معلوم بأدلة العقل والنقل، فإن العرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب، وهَنات المنطق كعجعجة قُضاعة (العجعجة: قلب الياء جيما بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج. وفي كرسي كرسج)، وطمطمانية حِمْير(الطمطمانية: هي جعل أم بدل أل في التعريف، فيقولون في البر: أمبر، وفي الصيام أمصيام – كما يفعل أبناء دثينة وما جاورها في محافظة (أبين)، وفحفحة هذيل (الفحفحة: هي جعل الحاء عيناً، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه)، وعنعنة تميم (العنعنة: هي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان – كما ينطق هكذا أبناء (زبيد في بلادنا)، وكشكشة أسد (الكشكشة: جعل الكاف شيناً مثل: عليك فيقولونها: عليش – يفعل هكذا في بعض مناطقنا اليمنية حينما يخاطبون الأنثى فبدلا من أن يقولون: عندكِ، يقولون عندش)، وقطْعةِ طيئ (القطعة: هي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا)، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها. [email protected]