لم يكن الأمر واضحاً.. لذا افترسني القلق.. واستعرضها ذهني صوراً شريرة.. قد لا أجد مكان التدريب، أو قد يكون المدرب مملاً وغير معروف؟ التأخير يسبب الضيق.. وعدم الالتزام يجعلك تكره كل شيء.. تقطع جملة صاحب التاكسي العرض التصويري وحبل أفكاري الممتد. بشق الأنفس وصلنا إلى الشارع المطلوب.. ياأختي.. آسف جداً الزحمة شديدة كما ترين.. أمي مطبوعة في عقلي الباطن بملامحها الودودة تظهر لتعزيني.. قد فعلت ما بوسعك.. ليس زمن المعجزات الآن يا ابنتي.. زمن المعجزات قد ولّى.. حاولي ولا تقتلي نفسك فلن يقف أحد إلى جانبك إذا ما حصل لكِ شيء لا سمح الله.. تبرز بناية كبيرة جداً.. يحتضنها فناء واسع جداً إنه أشبه بمدينة كبيرة.. أجري مسرعة.. تنزلق أقدامي من حذائي وكأنها قد طُليت بمادة لزجة أظنها (حساء باميا) على الأرجح يبدو أن الحذاء أكبر من مقاسي أو أن الارتباك والتوتر قد أثّر على أقدامي فتقلصت.. ولماذا أُتعب نفسي.. سأنظر إلى الورقة.. آه.. العنوان: وحدة إيفاد.. أوه يا إلهي قمراء تقف هناك.. أقترب منها.. من فضلك وحدة تدريب إيفاد؟! أنتِ أسماء؟ تسأل بكل رقة.. بصوت بليد.. تأتي الإجابة: هااااااااااااااااااه..؟! أنتِ أسماء؟! هااااااااااااااااااااه..؟!! من هنا.. تشير لي في اتجاه... ترتجف قدماي وأحسّ أن الدماء ستقفز من وجهي.. تبزغ قاعة فيروزية مضيئة.. وأنثى بملامح هندية تستعرض لوحة ورقية (فليب شارت).. وعلى الجانب الأيمن رجل خمسيني يقف وقفة واثق الخطوة أطرق طرقات خفيفة على الباب.. يشير لي بالإيجاب ...إلخ وبكل هدوء أضع جسدي على أقرب مقعد.. لا أصدق لقد قعدت بعد كل هذا العناء.. (أهلا أسماء.. أسماء التأخير غير مقبول مرة أخرى.. أرجو ذلك؟) تجحظ عيوني.. تلتصق شفتاي ببعضها.. وكأني قد لمحت هذا الرجل في مكان ما.. الغرابة أن الكل هنا يعرفني ولا أعرف أحداً.. بدأ الرجل يعرض ويقلب الصور بجهاز العرض ويتحدث عن الكثير..المشاريع.. أنواعها.. أساليب التقييم.. الأدوات ...إلخ الصمت يغلف المكان وبطريقة عجيبة لا أحد يناقش ولا يسأل المعلومات عميقة.. مكثفة.. المشاركين مدراء.. يختفي حتى صدى الصوت.. لماذا يا تُرى؟ (سأطرح عليكم سؤالاً كتمرين عملي.. أرجو أن تنظموا أنفسكم في مجاميع لتجيبوا عليه.. كل مجموعة خمسة وأنتم لكم قادة وتفهمون هذه الأمور ولا داعي لتدخلنا.. وأعتذر للجميع فلدي اجتماع هام سأنتهي منه وأعود إليكم...) بدأ الكل يستعد ليكون قائد مجموعته.. يطل علينا رجل ثلاثيني.. يبدو مرتباً وأنيقاً.. وسيم الملامح ذا صوت هادئ.. تعالي يا أسماء أنتِ المرأة الوحيدة في مجموعتنا.. أحملق إليهم ولا أعرف شيئاً لاحظتم الوزير.. بدا اليوم مرتبكاً (أحدهم يفتح النقاش). لست معه فيما قال معلوماته.. قديمة جداً مع احترامي الشديد.. يعلق آخر: يخلط كل المعلومات مثل (العرايسي) هنا تفوهت: هل تقصدون أن هذا المدرب وزير سابق..؟! أي سابق يبدو أنك لا تشاهدين الأخبار أو تقرئي الجرائد إنه الوزير مازال وزيراً بل من أبرز وأهم الوزراء.. ألا تعرفينه!؟ كيف يعرفك ولا تعرفينه؟! لا أدري ملامحه تبدو مألوفة لكن لم أعرف من هو؟ لن أكذب عليكم؟ بالمناسبة كيف يعرفني الجميع هنا؟! طبعاً أنتِ المتأخرة الوحيدة.. لذلك الكل عرفك حتى الوزير.. ثم كما أنك المرأة الثانية هنا.. لابد أن نتكلم مع الوزير لنوضح له فنحن كبار المدراء ونفهم الأمور جيداً. ربما الوزير يريد اختبارنا..؟! فهو داهية كما تعرفون.. يا أخي الوزير مشغول.. ليس لديه وقت للاختبارات. من يدري؟ ما رأيك يا أخت أسماء؟ والله لا أفهم شيئاً.. أهل ذمار مصائب رفضت الإدلاء بأي رأي وبطريقة دبلوماسية.. صوت ملائكي.. الإخوة المشاركون جميعاً.. الأخت أسماء من فضلكم سيناقشكم الدكتور محمد أيلان بدلاً عن الوزير.. وبدأت المناقشة التي لم يبقَ أحد باستثنائي دون أن يعطي رأيه بالأخطاء الفادحة.. المعلومات غير الواضحة والمتداخلة من المفاهيم القديمة التي احتواها عرض الوزير.. قلة التركيز والألوان الفاقعة التي شوشت تفكير المشاركين، كما أن نوعية الخط لم ترقهم لابد من التحديث.. الدولة ستظل دقة قديمة. ما زاد الحوار سخونة أن الدكتور المناقش أبدى رأيه واستياءه.. بل وألمح مدى الخطأ الكبير في اختيار الوزير ليكون مدرباً فالمسئولون منشغلون ولا يحق لهم أن يدربوا إلى جانب مسؤولياتهم العملاقة.. إذا كان الوزراء يدربون ويدرسون وهم وزراء.. ما هو الدور الذي تركوه لنا؟ سؤال حاول الدكتور أيلان أن يواريه ويغلفه بين جمله وتعابير وجهه، لكنه كان واضحاً كثور أسود بين قطيع أبيض. وفجأة ترتبت ملامح الدكتور أيلان رافقها انضباط المشاركين.. حيث أشرق الوزير ليستكمل عرضه.. وعاد القاعة لسابق سكونها.. وما عدت أسمع سوى صوت الوزير.. والتمتع بألوان عرضه (الزاهية).