عندما يبحث الإنسان عن ماضيه, فينقّبُ بين أكوام الكتب حتى يصل إلى معلومةٍ ليعرف عنه أكثر, فيجد أن تاريخه اندثر وطمس, أو هُرّب, أو غُرّب, فيصبحُ بلا تاريخ, وبلا هوّية, وبلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل، وهنا في وطننا الحبيب اليمن, ما عليك إلا أن تخطو خطواتٍ إلى (دار المخطوطات) الكائن بصنعاء القديمة.. دار لهوية البلد بين رفوف الدار ومخطوطاته ومطبوعاته حتماً ستعثر على تاريخ اليمن الأصيل وتجد الدرر الثمينة والنفائس النادرة, وتشعر أن هناك أناسا وطنيين جداً حافظوا على هذا التاريخ الأصيل ليصل إلى الإنسانية أجمع وذلك لم يأتِ من فراغ، بل بعد جهودٍ مضنية من إعادة ترميمها وصيانتها وتوثيقها يدويا وإلكترونيا فقد عُثر بين تلك النفائس النادرة على مخطوطاتٍ يصل عمرها ما يقاربُ 1100عام أي من تاريخ 366ه وذلك ما عُثر عليه في الدار من خلال تاريخ النسخ كما وجد بين تلك النفائس نسخة للمصحف الشريف تضمّنت أوراقه زخرفة نباتية هندسية يعودُ تاريخها إلى القرن الثاني عشر الهجري, ودارٍ كهذه يُعدُ بالفعلِ مفخرةً لكل يمني أصيل يعتزّ بتراثه الحضاري والثقافي؛ لأن التراث المخطوط هوية الأمة وذاكرتها ومخزونها الفكري ونتاج تجاربها التي ستفيد الأجيال القادمة وتتخذ منها سبيلا لتطورها الحضاري, كما أن الدار أقامت ندوةً تحت عنوان:(المخطوطات اليمنية بين التغريب والتهريب) ونوقشت في تلك الندوة عدد من أوراق العمل المقدّمة من قبل المتخصصين, ومجموعة من الأكاديميين من جامعة صنعاء وعدد من الشعراء الشعبيين بحضور الدكتور مجاهد اليتيم وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات, ومثل هذا العمل الذي يغرس الوعي بأهمية الحفاظ على تراثنا الأصيل منذ مئات السنين وأعلن بتلك الندوة أن الأيام القادمة ستشهدُ حملةً وطنية تتعلّقُ بالمخطوطات والحفاظ عليها باعتبار ذلك واجبا وطنيا ودينيا يقع على عاتق جميع أبناء الوطن, فالمخطوطات في بلادنا تعاني من بعض من لا يمتلكون الحس الوطني والحضاري, ومن يعانون أزمة ضمير فيفرّطوا في تلك النفائس بلا وعي, وعند كلمة (وعي) نضع أكثر من خط.. فعدم الوعي يجعل تراثنا في مهب الريح ونصبحُ بلا هوية, فالمزيد من الوعي يجب أن تتضافر فيه كل الجهات المختصة والمواطنين وذلك لا يتم إلا بتكثيف حملات التوعية، وهنا سنسلّط الضوء على هذه الدار, بما تحويه من مخطوطات ونفائس نادرة والجهود المضنية للعاملين والقائمين فتعالوا معنا .. تراثنا المخطوط يعيشُ حالة الشتات ..!! لأهمية هذا الموضوع الحساس والمتعلّق بتراثنا وتاريخنا, يتحدث الدكتور. مجاهد اليتيم وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات قائلا: تميدُ بك الأرض من تحت أقدامك وأنت تشاهدُ تراثنا المخطوط يعيشُ حالة الشتات كما هو حال الفلسطيني, ويلفك الحزن والأسى وأنت ترى مخطوطاتنا يتجاذبها التغريب والتهريب, وأن هذه الثروة الفكرية والعلمية والثقافية والحضارية بما تحتضنه من نفائس ونوادر وفرائد وخزائن لا تقدّر بثمن, للأسف الشديد كانت وما زالت مهملة وفي مهب الضياع, لكن في خضم هذه العتمة تلوح بارقة الأمل الأولى بالمشروع الوطني الأول المتمثل في حصر وتوثيق وحفظ وصيانة وترميم المخطوطات والذي أعاد الأمل للتراث والاعتبار لأعلام الفكر في اليمن والعالم. ويضيف د. اليتيم: شهد قطاع المخطوطات ودور الكتب وتحديدا دار المخطوطات بصنعاء عملا متواصلاً ونشاطاً فكرياً وعلمياً متميزاً, وأصبحت الدار ورشة عمل مفتوحة أعادت للمخطوطات بهاءها وللإنسان اليمني ثقته بأن تراثه التليد لم يذهب سدى واختتم د.مجاهد اليتيم: إن مخطوطاتنا سترى العالم أجمع وعبر مختلف الوسائل الحديثة. مشروع حصر وتوثيق المخطوطات وتواصلا لذلك المجهود وفي إطار البحث عن مصادر لتمويل مثل هذه المشروعات, تم الاتفاق بين كل من وزارة الثقافة ووحدة التراث وفي إطار جهود الصندوق الاجتماعي للتنمية في صيانة وترميم المواقع الأثرية والتاريخية انتقل إلى التراث الفكري، بشأن تشكيل اللجنة الرئيسية لمشروع حصر وتوثيق المخطوطات الواقعة تحت مسئولية الجهات التابعة للوزارة بأمانة العاصمة وتشكيل اللجان المساعدة وفرق العمل وتحديداً مهام واختصاصات كل منها على أن تقوم هذه اللجنة بالمهام الآتية: رسم الاتجاهات الرئيسية للمشروع التي تصبُ فيها عملية حصر وتوثيق المخطوطات بالجهات المستهدفة. إعداد وإقرار البرنامج والآليات اللازمة المصاحبة والمكملة لتنفيذ الخطة. وضع برنامج تدريب لأعضاء فريق العمل على تعبئة الاستمارات وإدخال البيانات إلى الحاسوب. اختيار رؤساء المجموعات وتحديد الآلية المناسبة لإعادة توزيع الأعضاء على المجموعات بما يتناسب والتخصصات المطلوبة في المجالات المحددة في الخطة. متابعة وتقسيم أداء فريق العمل ودراسة المشاكل والصعوبات التي قد تواجه سير عملها. يتولى وكيل الوزارة رئيس اللجنة مهام إدارة المشروع ماليا بالتنسيق مع اللجنة المختصة ذات العلاقة. تشكيل اللجان المساعدة. أهداف المشروع ولأجل ذلك عمل قطاع المخطوطات برنامجا وأهدافا عامة ليتوصل من خلالها بنهضةٍ توعوية في مجال المخطوطات والتي كان من أهمها: إعداد جيل قادر على فهم المخطوطات والعناية بها. إعداد فهرس شامل للمخطوطات يضم رقما وطنيا ويكون بمثابة المرجع الشامل للمخطوطات يسهل الرجوع إليه ومعرفة فنون عمله. العناية بالمخطوطات من ناحية الصيانة والترميم والحفظ حتى يستطيع مقاومة الزمن وعوادي الدهر لكي يتم له البقاء فترة أطول. تدريب عدد من الطلاب على صيانة المخطوطات وترميمها وحفظها. تسهيل إخراج المخطوطات للباحثين والمثقفين لسبر غور المخطوطات بتحقيقها وإبراز مكنوناتها المعرفية. إعداد معرض يليق بالمخطوطات يتم فيه عرض الفرائد التي تتمتع بها دار المخطوطات. تهيئة بعض المخطوطات المحققة للطباعة وإخراجها إلى حيز الوجود لمعرفة مخزونها العلمي. إدخال جميع المخطوطات الكترونيا وميكروفيلم حتى يتسنى للدار تزويد الباحثين بأقراص مدمجة أو أفلام ميكروفيلم بالعنوان المطلوب تحقيقه. وفي هذا المشروع تضافرت الجهود لحصر وتوثيق المخطوطات الموجودة في مكتبة الدار أو تلك التي تم شراؤها عن طريق صندوق التراث والتنمية الثقافية وما تبقّى لدى الهيئة العامة والمتاحف وما تم مصادرته من منافذ الجمهورية. متطلبات العمل متطلبات بشرية وآلية ومادية, ويعتمد العمل بشكل أساسي وكبير على استمارة التوثيق, وإعداد قاعدة بيانات خاصة بهذه العملية، بالإضافة إلى المخطوطات نفسها ومن فرق العمل القائمة بذلك المشروع كالآتي: التوثيق: وينقسم إلى قسمين: توثيق الرقوق القرآنية, وتوثيق المخطوطات. 1 توثيق الرقوق القرآنية: أ (التوثيق اليدوي): ويتكون الفريق الواحد من ثلاثة متخصصين( الرئيس, القارئ, والمدوّن) وفيهم تقتضي الخبرة الكافية في معرفة خطوط كل مرحلة، ويقوم الفريق بتعبئة الاستمارة ويعطى لكل رقٍ (ورقة) ورقماً مستقلاً بما فيه القصاصات. ب (التوثيق الإلكتروني): ويقوم الفريق الخاص بالتوثيق الإلكتروني بتفريغ حقول الاستمارة اليدوية الخاصة بالرقوق إلى الحاسوب عبر البرنامج الخاص. 2 توثيق المخطوطات وينقسم إلى: (يدوي وإلكتروني ثم التصوير بشقيه الرقمي والميكروفيلم) فريق الترميم وينقسم إلى ثلاث مجموعات عمل هي: 1 مجموعة الصيانة والترميم. 2 مجموعة الحباكة والتجليد. 3 مجموعة الصناديق, الذين تقتصر مهمتهم على صنع الصناديق من الورق المقوّى الخالي من الحموضة ليتم حفظ المخطوط بعد الانتهاء من عملية الترميم والتجليد وحفظها في الأماكن المُعدّة لذلك وحمايتها من الأتربة والحشرات. فريق الحصر ومهمة هذا الفريق القيام بعملية حصر وجرد المخطوطات التابعة للدار عبر المكتبة الغربية وذلك عن طريق ملء استمارة أعدت لذلك تتضمن عنوان المخطوط, وهل هو ضمن المجموع أو لا, ويتكون الفريق من خمسة أشخاص, وبحسب معلومات العاملين بالدار أن معظم خطة المشروع نُفذت على أرض الواقع وبقية الخطة في طريقها إلى التنفيذ, وهنا نشير إلى (6) مكتبات هامة يرتكز عليها عمل الدار وهي: 1 مكتبة الحصر والمطابقة. 2 المكتبة الغربية للجامع الكبير(التوثيق اليدوي). 3 مكتبة المطبوعات. 4 قسم التصوير. 5 قسم الترميم والصيانة (التجليد). 6 التوثيق الإلكتروني. دعوة وكل أولئك العاملين من حملة المؤهلات العلمية المتخصصة ومن متخرجي جامعة صنعاء سواء مكتبات أوقسم الآثار وغيرها من التخصصات, وبعد هذه الإطلالة على دار المخطوطات, يتعين على وسائل الإعلام تسليط الضوء على مخطوطاتنا اليمنية ونشر الوعي بأهمية الحفاظ عليها بين فئات المجتمع المختلفة قبل أن نفقدها ونصبح بلا هوية !!