إن خسارة اليمن في تراثها فجيعة كبرى لم يدرك الجميع حجمها حتى الآن فالجميع منشغل بما يجري من أحداث سياسية وأوجاع دموية على أرض اليمن السعيد التي كانت يوما ما مهد العرب الأول وموطن الحضارات الإنسانية سبأ وحمير ومعين وغيرها من الحضارات الإنسانية . ربما غدا سينسى التاريخ و الأجيال العمليات الإرهابية وعدد القتلى في أبين وصعدة والقنابل والمفخخات التي انفجرت في ربوع السعيدة وحوادث الاعتداءات على الكهرباء وأنبوب الغاز والنفط في مأرب وصافر،وسيذكرون فقط خسارة تراثهم وتاريخهم الحضاري الذي ذهبت تفاصيله الهامة في حوادث تمزيق ونهب وسرقة الآثار وتدمير أهم المواقع الأثرية والتاريخية ودور الحكومات السابقة واللاحقة ومواقفها السلبية تجاه الحفاظ على هذه الثروة الوطنية التي لا تنضب! ربما ستنسى الأجيال تفريط تلك لحكومات في تبديد ثرواتها ومقدرات الدولة المنهوبة من نفط ومعادن وغيرها مما يزول وينتهي من تحت الأقدام،لكنها لن تنسى تفريطها في تراثها وتاريخها الحضاري الذي لطالما اعتزت به كل الأجيال ،وعدم اكتراث الجهات المعنية لحفظ هذا التراث وحمايته وصونه من أعمال العبث والتدمير ووقف نزيف تهريب الآثار والمخطوطات التاريخية وباتت أفضل وأندر الكنوز اليمنية تعرض للبيع كل يوم في الأسواق العالمية للتحف والآثار في باريس وايطاليا على مرأى ومسمع الجميع. حالات العبث في أهم وأكثر مواطن التراث التاريخي والحضاري بمملكة سبأ بمأرب ومعين بالجوف تدمي القلب،فبرغم قدم الأعمال التنقيبية والأثرية التي تزيد عن 50 عاماً،عملت فيها ولا تزال عشرات البعثات الأثرية ربما أهمها البعثات الأثرية الأمريكية والفرنسية والألمانية والايطالية،في كثير من تلك المواقع الأثرية الهامة ،إلا أن مخرجات تلك البعثات من القطع واللقى الأثرية والكنوز التاريخية والتي يزعم القائمون في الآثار أنها تزيد عن 15 ألف قطعة أثرية تحتفظ بها قيادة المحافظة في هناجر ومخازن متفرقة حتى يتم إنشاء متحف للآثار بمآرب ،وهو العيب الآخر والأكثر خزيا أن تظل مدينة تاريخية وحضارية مليئة بالمواقع والمعابد والمعالم الأثرية والتاريخية مثل مأرب ومن أهم مصادر إنتاج النفط والمعادن في الدولة بدون متحف يضم آلاف القطع والمكنوزات الأثرية الحبيسة في هناجر ومخازن عرضة للتلف والنهب والسرقة وإن كانت فعلا لا تزال هناك قطع مهمة أصلا. بل كيف لنا أن نتصور مغادرة زائر او سائح لمدينة تاريخية وحضارية مليئةبمواقع ومعالم ومعابد مكدسة بالأتربة رغم أهميتها ومفرغة من أهم المقومات السياحية،أليس من المهم أن تكون زيارة متحف أثري بمأرب تمكن الزائر على الأقل من معرفة أهم ملامح هذه الحضارات وتفسر له دلالات النقوش والرسوم المنحوتة على أهم اللقى والقطع الأثرية وعلى جدران وأعمدة تلك المعالم وما تتضمنه من قيم ودلالات تاريخية وحضارية وإنسانية وبما يمكنه من الخروج بصورة واضحة على الأقل بعظم ومكانة وخصوصية هذه الحضارة وعراقتها. و بالمناسبة لا يزال الكثيرون يتساءلون عن مشروع متحف الحضارة اليمنيةبمأرب والذي وقعت اتفاقية إنشائه عام 2004 م بتمويل من الولاياتالمتحدةالأمريكية بثلاثة ملايين دولار ،وتولى الصندوق الاجتماعي للتنمية ومعهد الآثار الألماني الذي يعمل في مواقع متعددة بمأرب منذ أكثر من ثلاثة عقود مهمة إعداد الدراسات الخاصة بالمشروع ! .. ومن المستفيد من إعاقته حتى اليوم وهو ما نتمناه من سفارتي الولاياتالمتحدةالأمريكية والألمانية والصندوق الاجتماعي للتنمية الكشف عن ملابسات هذا المشروع الهام والمتسبب في إعاقته حتى الآن في مؤتمر صحفي !!