من المعلوم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر مرتين، الأولى سنة سبع للهجرة بعد صلح الحديبية حيث نص الاتفاق بأن الرسول يعود عام الحديبية ...ويعتمر في العام المقبل والعمرة الثانية ..كانت في السنة العاشرة...مقترنة بحجة الوداع...وفي حدود اطلاعي أن الرسول لم يعتمر غيرهما ..والسبب أنه صلى الله عليه وسلم لديه برنامج أهم وأكبر...هو بناء الأمة. وليس هذا خاصاً بمحمد صلى الله عليه وسلم فلقد ذكرت المصادر التاريخية أن الرسولين(صالح، وهود ) عليهما السلام لم يحجا لأنهما ظلا يدعوان قومهما حتى وافتهما المنية!!. كثير من العلماء الأعلام لم يحجوا بيت الله الحرام، ويأتي في طليعتهم كأقرب مثال العلامة المجدد الشوكاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله والمتأمل في حياة العالمين سيجد أنهما قد قضيا عمرهما في الدعوة والإصلاح.. وكفى بهما شهادة في هذا المقام؟!. بن عثيمين رحمه الله ...سجل فتوى رائعة، حدثني بها أحد الشباب مغترب ذهب لأداء العمرة في رمضان، فوجد ابن عثيمين في حلقة شباب يخاطبهم : لماذا جئتم أيها الشباب؟ لأداء العمرة ...فأجابهم : لا...لا... اذهبوا إلى مناطقكم وعلموا الناس دين الله أفضل مئات المرات من (العمرة )!! وأضاف صاحبي: إن الشيخ قال كلمة قاسية في وجه الشباب تحمل عبارة استهجان لحضورهم مكة وبقائهم طوال شهر رمضان... إذن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، وتبعه علماء أعلام تنتهي بفتوى قاسية لابن عثيمين ...ألا يكون هذا المنهج كافٍياً للتأسيس؟ هناك أناس اعتادوا النزهة السنوية باسم العمرة ويتركون مئات ( المحتاجين في محيطهم )...لو افترضنا على الأقل أن معدل ما يصرف هذا المعتمر يبلغ ثلاثة آلاف ريال سعودي شريطة أن لا يتجاوز لبثه في مكة من 4-5 أيام فقط. إذن نحن أمام مبلغ (157) ألف ريال بالعملة اليمنية. والسؤال: ماذا لو دفع هذا المتعبد سنوياً هذا المبلغ لخمس أسر قوام عددها (25) فرداً بمعدل (33) ألف ريال لكل أسرة ليشتروا بها حاجتهم الأساسية ويستعينوا بها على عبادة الصوم وغيرها من العبادات، ماذا لو اشترى لكل أسرة ملابس مناسبة لتخرج هذه الأسر والبسمة مرسومة على شفاههم ووجوههم تعلوها الفرحة ...تُرى كم هو هذا الفضل؟ إنه الفضل الذي راعاه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من الرسل، وهو الفضل الذي لمحه العلماء الأعلام. هنالك طلاب علم في الجامعات درجة البكالوريوس، وآخرون في درجة الماجستير والدكتوراه توقفوا عن مواصلة دراساتهم جراء الوضع الاقتصادي المتردي من عقود هؤلاء الطلاب لو لم يكن بعد تخرجهم إلا أنهم فقط حصلوا على فرص عمل، وأقاموا أسرهم بطريقة لائقة تربوياً ..تُرى كم سيكون فضل ذلك؟ أما إذا كان الحظ قد ساعد هؤلاء الخريجين فقدموا جهدهم للارتقاء بشأن الأمة فإن الفضل لا شك أكبر أكبر . فيا أيها الأغنياء يا أيها الميسورون ...الله موجود في اليمن ...فاعبدوه فيما أقامكم فيه ...اعبدوه في هذا الجانب المؤثر ..مع تسليمنا أن اعتمارهم هو عبادة في دائرة الاهتمام. لكن نبينا شرع أن العبادة في دائرة التأثير مقدمة على دائرة الاهتمام.