من المفارقات التي يجدها الباحث في شئون الآثار اليمنية أن أول حكومة يمنية تشكلت في الجزء الشمالي حينها عقب ثورة 26 سبتمبر1962م بموجب قرار مجلس قيادة الثورة في 27 سبتمبر1962م برئاسة العميد عبد الله السلال رئيس مجلس قيادة الثورة قد ضمت في عضويتها وزيراً للآثار والتاريخ وتحديداً وزير دولة لشئون الآثار والتاريخ وتقلد مهامها الشيخ أمين عبد الواسع نعمان وكغيرها من حكومات تلك الحقبة لم تدم طويلاً حيث تم القيام بتشكيل حكومي جديد في 30 أكتوبر 1962م لتغيب هذه الوزارة وإلى الأبد رغم استمرار ذلك الوزير في الحكومات اللاحقة بحقائب وزارية أخرى. والشاهد هنا أن هناك هاجساً ودافعاً ولربما وعياً كبيراً لدى مجلس قيادة الثورة بأهمية وضرورة الالتفات إلى الآثار وربطها عضوياً بالتاريخ الخاص بهذا الجزء من العالم وما يمكن لوزارة أو وزير متخصص بهذه المهمة وما هو مكلف به من جهود تقتضيها طبيعة الوزارات ولست مدركاً للسبب أو الأسباب التي أجهضت ذلك التوجه في الحكومات اللاحقة التي تشكلت أيضاً برئاسة السلال وفي عهده أو حتى حكومات من جاء بعده القاضي الإرياني وإبراهيم الحمدي والغشمي وصالح. والأكيد أن مسئولية الآثار قد ضمنت في مهام وزارة الثقافة ومؤخراً أفردت لها هيئة تعنى بها ورغم جسامة المسئوليات الملقاة على عاتق هذه الهيئة إلا أنها واقعياً تعاني شحة في الإمكانيات المادية وافتقار للكادر المتخصص أو لنقل ندرة هذا الكادر وعدم كفايته عددياً على مستوى محافظات الجمهورية ولك أن تضيف انعدام أو قلة التأهيل لهؤلاء داخل أو خارج الوطن مع تداخل الاختصاصات بين هذه الجهة وتلك والكوابح التي تعترضها مجتمعياً جراء انعدام الوعي بدور الهيئة. ولعل هذا ما جعل مؤتمر الحوار الوطني الشامل – الاستحقاق الذي تعول جموع الشعب على مخرجاته كثيراً – يقف أمام الشأن الثقافي بمسئولية وعلى وجه الخصوص “الآثار” وجاء ما نصه “تلتزم الدولة إنشاء مجلس أعلى لحماية الآثار والمدن التاريخية بدلاً عن هيئة الآثار يتكون من علماء آثار مختصين ويكون مستقلاً مالياً وإدارياً”. وبفقرة أخرى “تشديد عقوبات المعتدين على الآثار ومهربيها وتصنيف هذه الجريمة كجريمة جسيمة باعتبار الآثار ثروة لا تقدر بثمن، والحفاظ عليها حفاظ على الهوية والكينونة والذاكرة الحية للتاريخ اليمني”. وحقيقة هاتين التوصيتين وغيرهما مما ورد في مجال التنمية الثقافية والاجتماعية وتحديداً تأصيل الموروث الثقافي والهوية الوطنية خطوط تفاؤل ورؤية استراتيجية تنز وطنية وتمتلئ بالكثير من الطموحات التي تنتظر من اليمنيين مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني ومختصين ومواطنين الكثير من الإحساس بالمسئولية تجاه تراث السلف الضارب في عمق التاريخ والأرض إلى الخلف من أجيال وأجيال ستأتي في سيرورة زمنية والمسئولية تحتم على هذا الجيل أداء ما عليه في سبيل جمع وحفظ وترميم الآثار منقولة كانت أو غير منقولة ووضع أعلى مستويات الحماية لها ليتسنى لتلك الأجيال القادمة مواصلة ما قمنا به وفي المقابل إذا عجزنا عن ذلك فيتواصل مسلسل تزييف كنوزنا عبر أيادٍ إلى مسوخ بشرية لا تجد في اقترافها لجريمة العبث والسطو والتهريب لآثارنا ما يعيب، وأمثال هؤلاء موجودين للأسف بين ظهرانينا وقد تراهم بنظاراتهم الشمسية وربطات العنق يقتنون فارهات المركبات ووارفات الحدائق التي تطل عليها مساكنهم، ولكن اللصوصية تسري في عروقهم فلا يقومون بهذه الجريمة عن فقر وجهل بل العكس . وأمثال هؤلاء يجدون في غياب الدولة وحالات الاضطراب الأمني والسياسي التوقيت الأمثل لأعمالهم السوداء وهناك من الدلائل الكثير، لننظر إلى ما حدث في العراق إبان العدوان الغربي الآثم عليه ألم يتم استهداف متاحفها وسرقة الآلاف من القطع الأثرية؟ ولا نذهب بعيداً فقد رافقت ثورات الربيع العربي أيضاً عمليات سرقة للآثار وشهدت مصر وسوريا والأخيرة جعلت منها المواجهات المسلحة لا سيما في المدن التاريخية والأثرية أطلالاً كالجامع الأموي والأضرحة الخاصة بشخصيات كان لها صولات في تاريخنا الإسلامي. واليمن ليست استثناءً من كل ذلك وإن كانت الأكثر تضرراً لكونها حتى اليوم نجهل ما تمتلكه من آثار ونجهل سبل الحفاظ والحماية ونتجاهل دورنا كأفراد في نشر الوعي المجتمعي بهذا الصدد.