تعرفه الشوارع والحارات المصرية جيدا فى عز حر نهار رمضان ، وبملابس مميزة سروال أسود واسع من منطقة الحجر يضيق عند القدمين وبسترة مزينة عادة بنصف ياقة، وطربوش فوق الرأس، وبيده صاجات وجلاجل نحاسية ترن رنات محسوبة، وفى اليد الأخرى زمزمية مياه بلاستيكية يغسل منها أكوابه التى يصب فيها العرقسوس، مرددا عباراته التى يحفظها الجميع، شفا وخمير يا عرقسوس وبارد وخمير وتهنى يا عطشان. حركاته رشيقة وسريعة، رغم أنه يحمل أثقالاً فوق صدره، يجوب المدينة بإبريقه الزجاجي أو النحاسي الضخم، تجده الشوارع والميادين بطقوسه الخاصة وله عاداته وأساليبه ليس فقط فى صنعته وملبسه، وإنما أيضا فى الترويج لها بما يضفيه على مشروبه من صفات لها أصولها التى ترويها كتب الطب والتاريخ معاً. وأشار سعيد عبد المنعم من محبي العرقسوس، إلى ان لبائع العرقسوس فى رمضان طريقة تميز أسلوبه المعتاد طوال العام، وهو يحرص أن يصب فى الأكواب من إبريقه الكبير ومن مسافة بعيدة باحتراف شديد يصنع رغوة جميلة فوق المشروب، و"يلفت نظري إليه ملابسه ورنات صاجاته وحركاته البهلوانية السريعة فى حمل وغسل وملء الأكواب رغم ثقل البريق فوق صدره". أبو جمال – هكذا قدم نفسه قائلاً: اعمل بائع عرقسوس منذ سنوات وهى مهنة وراثتها عن والدى وعمى ، ورغم أنها لا تتوقف طوال العام خاصة فى شهور الصيف إلا اننى استطيع القول ان لها مذاق خاص فى رمضان حيث الخير الوفير والبركة التى تجعلنى أتكسب فى هذا الشهر ما أتحصل عليه طوال شهور الصيف. صناعة العرقسوس نفسها عنها قال: كل شىء يتغير فى هذه الدنيا ، زمان كان تحضير العرقسوس يستغرق وقتاً طويلا حيث كنا ننقع النبات في إناء زجاجي ليلة كاملة ومن ثم تصفيته عن طريق قماشه نظيفة تسمى" شاش"، بعدها تبدأ عمليات التحلية والتعبئة فى الإبريق الزجاجى أو النحاسي، أما الآن فقد أصبح التحضير أكثر سهولة ولا يستلزم نقع ولا اعداد بعد ان تدخلت الآلات لطحن العرقسوس وبيعه على هيئة مسحوق سهل التحضير وبالتالى بإمكان الأسرة فى رمضان أن تعده بنفس السهوله وتضيف الماء الساخن أو البارد إليه وتضعه فى إناء زجاجى لتقديمه ساعة الإفطار. وأضاف: صحيح الحمل يبدو ثقيلاً خاصة وأنا أتحرك به وبإبريق ملىء بالماء لغسيل الأكوب اضافة للأكواب والصاجات، لكن المسالة كلها تتوقف على طريقة ربط الإبريق بالحزام الجلدي حول الوسط بما يوزع الثقل على الجسم فلا نشعر بالعبء ، أما الإبريق نفسه ، فقد يكون نحاسى مزدوج حين أقدم العرقسوس والخروب أو التمر الهندى ، وقد يكون زجاجى مفرد يساعد على الاحتفاظ ببرودة المشروب ، ولا يمنع الأمر من وضع قطع ثلجية على فوهة الإبريق. ملابس باعة العرقسوس التراثية أفضل إعلان يقدمه البائع لإظهار عراقة تاريخ الشراب الذي يبيعه عبر محافظته على لباسه التراثي المتأنق والمبالغ فيه بحسب مقاييس العصر الحديث، أما حركاته وتراقص الصاجات النحاسية فى يده فتجذب الصغير والكبير ، فهو يتحرك بين أدواته كالبهلوان مقابل قروش بسيطة وصلت اليوم إلى ما يقارب النصف جنيه أو الجنيه أحيانا مع ارتفاع أسعار السوق وخام نبات العرقسوس. "الفراعنة" شربوا العرقسوس يدورن في المدن بإبريق نحاسي ضخم تشير كتب التاريخ الى انه تم العثور على جذور العرقسوس في قبر الملك توت عنخ آمون ، حيث كان الأطباء المصريون القدماء يخلطوه بالأدوية المرة لإخفاء طعم مرارتها وكانوا يعالجون به أمراض الكبد والأمعاء، و السعال الجاف والربو والعطش الشديد بما يدعم وجهة النظر المؤكدة لوجود مهنة بائع العرقسوس في مصر منذ القدم. واعتبر العرقسوس شرابا ملكيا حتى جاء الفاطميون فأقبل عليه الناس ليصير مشروب العامة خاصة شهر رمضان، كما عرف قدماء العرب هذا النبات وورد وصفه في كثير من المراجع القديمة، وأن منقوعه المخمر يفيد في حالات القيء والتهيج المعدي والأمعاء وحرقة البول. الدكتور محمد إبراهيم الأستاذ بزراعة عين شمس قال أن العرقسوس عبارة عن نبات معمر من فصيلة البقولية ويطلق على جذوره عرقسوس أو أصل السوس، عبارة عن نبات شجري معمر ينبت في كثير من بقاع العالم مثل سوريا وآسيا الصغرى وأواسط آسيا وأوربا ومصر، وهو مشهور في البلاد العربية منذ أقدم العصور وينبت في الأرض البرية حول حوض البحر الأبيض المتوسط. يضيف الدكتور ابراهيم ان هذا النبات له قيمة علاجية عالية وقد عرفه البابليون منذ أكثر من أربعة آلاف سنة كعنصر مقوي للمناعة، كما عرفه المصريون القدماء وكان يقتصر استخدامه وشرابه على الملوك الفراعنة، وكثيرا ما يتناوله المسلمون بعد أذان المغرب،لاسيما في الأحياء الشعبية، لكنه يبقى شرابا يقبل عليه الفقراء والأغنياء دون تمييز. علاج طبي مصري قديم ورد وصف العرقسوس في كثير من المراجع القديمة، وأن منقوعه المخمر يفيد في حالات القيء والتهيج المعدي، وهذا النبات له قيمة علاجية عالية لدى المصريين منذ قديم الأزل، وكان يطلق عليه "شفا وخمير يا عرقسوس"، لما له من تأثير شافي للعديد من أمراض الجهاز الهضمي، فهو فعالٌ جداً في علاج حالات قرحة المعدة، والأمعاء وأوجاع الصدر وما فيه والكبد والمثانة ووجع الكلى وإذا امتصت قطعت العطش وإذا مضغت وابتلع ماؤها تنفع المعدة والأمعاء كما ينفع كل أمراض الصدر والسعال ويطري ويخرج البلغم ويحل الربو وأوجاع الكبد والطحال وحرقة البول ويدر الطمث ويعالج البواسير ويريح الجهاز الهضمي.