يبدو المشهد الأردني شديد التعقيد في المرحلة المقبلة، بينما تمر عاصفة "الربيع العربي" من دون خسائر كبرى حتى الآن، واتجاه الأمور إلى الاستقرار وبقاء الحال كما هو عليه مع خفوت و"روتينية" الحراك الشعبي والأحزاب المعارضة ميدانياً، إلا أن ثمة جمراً تحت الرماد يخشى اشتعاله بين لحظة وأخرى خصوصاً مع "تخمة" ملفات مرتبطة بعلاقات مجاورة أبرزها تداعيات الأزمة السورية والموقف منها ومشاريع غربية تروج للوطن البديل . ربما أوضح صور الإشكالية المتصدّرة المشهد حالياً تتمثل في مواجهة حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور الثانية التي أدت اليمين الدستورية يوم 30 مارس/ آذار الماضي "صداما" مع البرلمان الذي يجزم مراقبون عدم قدرتها نيل الثقة الواجب طلبها قبل نهاية الشهر الجاري بسبب خلافات متصاعدة طفت على السطح في أعقاب التشاور على تشكيل الحكومة الجديدة إلا إذا عقدت "صفقات" خفية وتدخلت جهات رسمية في الضغط والمساومة وفق حالات تكررت أكثر من مرة في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية . يظهر القلق الأكبر والتوجّس الأبرز حال نالت الحكومة الثقة في إمكانية تعالي حدة نبرة هتافات الشارع انسجاماً مع تظاهرات متعاقبة رفضت الإبقاء على النسور تحديداً، بعدما سارع عند رئاسة حكومته الأولى إلى اعتماد قانون انتخاب "الصوت الواحد" المرفوض من أحزاب وقوى سياسية وقرر وقف دعم المشتقات النفطية قي نوفمبر/ كانون الثاني الماضي، حاصداً موجة غضب عارمة تخللها شعار "إسقاط النظام"، كما أكد اعتزامه رفع أسعار "تعرفة" الكهرباء مع حلول موسم الصيف في إجراء ينظر إليه مراقبون بحذر شديد ويطرحون مخاوف مواكبته تداعيات توازي أو تفوق الاحتجاجات التي لازمت زيادة أسعار "المحروقات" خلال موسم الشتاء الفائت . معضلة النسور مع النوّاب تنقسم إلى جزءين الأول يرفضه جملة وتفصيلا إما بسبب اختلافات سابقة مع مواقفه حين كان نائبا في الدورة الماضية أو نتيجة عدم قبول "انقلابه" على قناعته التي طالما أطلقها تحت القبة منها معارضته قانون الانتخاب نفسه وكذلك حجبه الثقة عن 4 حكومات على خلفية "سوء" تعاملها مع الملف الاقتصادي وتوجهها إلى جيوب المواطنين . أما الجزء الثاني الذي تقوده بصورة رئيسة كتلة "وطن" المستندة إلى 25 نائباً و"الوسط الإسلامي" التي تضم 15 نائباً فقد استاء بشدة من تجنب النسور طلبات ضم نوّاب وأسماء شخصيات معينة إلى وزارته الجديدة ولوّح هذا الفريق الذي خرج منه "لوبي" يحاول توسيع نطاقه بحجب الثقة بعدما كان أشد الداعمين لولاية النسور الثانية خلال المشاورات مع الديوان الملكي . من جهته احتفظ النسور بأوراق "كسب الثقة" في يده بإعلانه فور أداء اليمين الدستورية دمجه 12 حقيبة وزارية مع أخرى نحو توزيعها لاحقا على عدد من النوّاب بعد مراقبتهم، وذلك في تعديل وزاري قبل نهاية العام الحالي الأمر الذي اعتبره محللون على رأسهم الكاتب فهد خيطان "تشويها" للعلاقة بين السلطتين وتحويل التنفيذية إلى جهة مراقبة على التشريعية في صورة "مختلطة" وغريبة . المواجهة الأكثر سخونة للحكومة تنطوي على ترجيح حصولها على الثقة بعد "خطابات" و"كلمات رنانة" واتهامات بالجملة ووعيد من نوّاب جرت العادة على سماعها وفق قوالب أصبح الشارع لا يثق بتفاصيلها، ويعتبرها "مسرحية هزلية ما عادت تنطلي على الشعب" وحال تجددها فذلك يعني "سقوطاً مدوياً" لآخر فرصة . ويرى عضو حراك "التغيير" الناشط باسم زيد أن "ممارسة أي لعبة سطحية ربما تقود إلى انفجار لا يحمد عقباه" . ويضيف "نحن لا نعوّل على برلمان مزّور وترويج مجيء الحكومة وفق أسس تمّهد لبداية الحكومات البرلمانية المنتخبة أمر مرفوض تماماً لأن التشاور بشأن تشكيلها استند إلى مصالح وأهداف ومن أطراف غير ناجعة" . ويتابع "ندرك وجود توافق غير معلن لنيل الثقة ولا نأمل خيراً حتى مع إعلان نوّاب حجبهم إياها" في إشارة إلى تأكيد رئيس البرلمان الأسبق عبد الكريم الدغمي وزميله المحسوب على الموالاة يحيى السعود وكذلك سمير عويس واحمد الرقيبات ومحمد الظهراوي وغيرهم حجب الثقة التي يحتاج النسور إلى 76 صوتاً من أصل 150 عضواً للظفر بها . وحسب السياسي لبيب قمحاوي عضو الجبهة الوطنية للإصلاح المرتكزة على أحزاب ونقابات وقوى جلها معارضة فإن الأردنيين "تململوا" من استفحال أطواق حول أعناقهم وتسيير جهات معيّنة كل شيء في الساحة . ويقول "هناك قناعة عامة بأن اختيار المسؤولين الكبار وصانعي القرار والحكومات لا يخضع إلى صناديق الاقتراع أو لقوانين شفافة وإنما يأتي وفق مقومات شخصية واعتبارات جهات متدخلة" . ويعتقد قمحاوي أن ثمة "انفصاماً" أو "انقساماً" للشعب على نفسه بين زهو بعضهم ومعهم قوى الشد العكسي بالقدرة على الالتفاف على مسيرة الإصلاح في مقابل "أغلبية" يتملكها الغضب واليأس والخوف على مستقبل الوطن . ويعقب "يجب تعلم الدروس من الدول المحيطة خصوصاً وأن مطالب الإصلاح في الأردن متوازنة وقابلة للتحقيق حال توافرت الإرادة" . ويجد المحلل والأكاديمي بسّام جودة أن ثمة مؤشرات تضمنها حوار نشرته "ذي أتلانتك" الأمريكية منسوبا للملك عبد الله الثاني رغم دحض "مغالطات" فيه من قبل الديوان الملكي . ويردف"هناك أشياء قيلت يعرف إعلاميون أن الملك عبد الله كان يطرحها في جلسات معهم منها مثلا انتقاده جهات تحول دون تحقيق الإصلاح، وتعزز عبر ممارساتها المغلوطة اتجاه الأمور إلى ما يخيف" . ويزيد جودة "لقد ذكر الملك عبد الله في الحوار وفق نسخته المنشورة باللغة الانجليزية أنه مستاء من ممارسات بعض المنتمين إلى قصره ويحاول وضع حد لها" . ويميل إسلاميون إلى اعتقاد تعمّد أطراف (من دون تسميتهم) نحو إشعال فتنة عشائرية بين طلبة الجامعات مؤخراً تكررت صورها عبر تحوّل جامعة مؤتة (جنوب) إلى ما يشبه "ساحة قتال" أسفرت عن مقتل أحدهم وسط إطلاق أعيرة نارية وتبادل استخدام الأسلحة بأنواعها بمشاركة الآلاف . وتقول الحركة "هناك من يريد تحويل الاختلاف السياسي إلى المؤسسات الأكاديمية عبر سلاح العشائرية من أجل صرف الانتباه عن مطالب الإصلاح وتقديم صورة مصغّرة غير حقيقية لمآل النزول ميدانيا" . ويصف أستاذ العلوم السياسية الكاتب حسن البراري الأجواء السياسية الحالية في المملكة بأنها "ملبّدة بالغيوم" و"يسودها حالة من الغموض والضبابية" . ويقول "لقد أسقط النسور من حساباته أمرين مهمين: الأول تغييبه الشارع على اعتباره قاصراً على مظاهرة هنا وأخرى هناك والثاني تجاهله خلاصة مشاوراته مع النوّاب قبل تشكيل الحكومة الثانية" . ويضيف البراري "إن انتقاد الملك عبد الله التدخل الأمني وفق المقابلة المشهورة مع المجلة الأمريكية دعا نوّاب إلى التقاط ذلك، وبالتالي تخليهم عن توجيهات من خارج البرلمان لمنح الثقة للحكومة، في مقابل رغبة بعضهم عدم تمرير حكومة يرفضها الشارع حفاظاً على مكانتهم" . ويقول "ثمة أوساط تتحدث عن مرور النسور في أصعب مراحل عمره السياسي، فقد تخلى عنه المركز الأمني ولم ينفعه تذاكيه على الشارع والبرلمان" . ويتابع "نضع أيدينا على قلوبنا خشية- لا سمح الله- سيناريو فوضوي بلا أفق سياسي وعندها ستكون السيناريوهات الخطرة ممكنة ولن ينفع معها الاستعلاء ولا التذاكي وعلينا تذكير أنفسنا بأن حلفاء الأردن في أمريكا قلقون على الوضع" .