تختلف القوانين باختلاف الأمم والشعوب لأن القانون مرآة صادقة لماضيها وحاضرها فهو يعبر عن نشأتها وتطورها وأخلاقها ومعتقداتها، فقانون أي أمة أو شعب يتضمن القيم العليا السائدة في الأمم والشعوب، لذلك وجدنا القوانين تسمي باسم الأمم والشعوب، فهناك القانون الأمريكي والقانون الفرنسي والقانون المصري والقانون القطري وغيرها إذا ثبت انتساب القانون للأمة ثبتت شرعيته وأهليته لحكمها، وطبقه الناس عن رضا نفس وطيب خاطر، لأن الأمة في هذه الحالة إنما تحكم نفسها بنفسها، وتخضع لما تدين به من عقائد وقيم ومثل عليا، لذلك يحرص المقننون في كافة الأنظمة القانونية الموجودة في العالم على تعديل القوانين حال تطبيقها على أمة أخرى غير أمتها لتوافق الأمة الأخيرة، لأن إلزام أمة بتطبيق قانون أمة أخرى دون مراعاة الفروق بينهما معناه إلزامها بالتخلي عن عاداتها وتقاليدها وآدابها ومميزاتها ونظمها وشرائعها، بل يصل الأمر إلى مطالبتها بالتخلي عن نظامها الاجتماعي والتفريط في دينها، وهذا ما حدث للدول الإسلامية ابان فترة الاحتلال، مما أخرج هذه القوانين عن أهدافها وغاياتها، وأدى إلى فساد وإفساد هذه المجتمعات. لسن التشريعات والقوانين أصول وقواعد عامة ومسلمات يجب مراعاتها لأنها أساس النصوص وأصل المواد، حيث تدور وتقوم عليها أغراضه وأهدافه السابق بيانها، والقانون يتكون من جسم وروح فلا يمكن أن يحقق أهدافه إلا إذا صيغ في نصوص ومواد تحفظ المعاني القانونية الرفيعة من التحريف والانحراف والنسيان، وهذا هو جسم القانون، وروح القانون تتمثل في سلطان القانون على الناس وتقاس صلاحية القانون بمدى تقبل الأفراد له وقوة سلطانه عليهم الذي يقوم على عنصرين، عنصر روحي خالص (نفسي)، وهو الصلة بين القانون وقلوب الأفراد ونفوسهم، وتكمن في رضاء الأفراد وقابليتهم لتطبيق واحترام القانون، ولا يتحقق ذلك إلا إذا قامت نصوص القانون على عقائد يؤمن بها الأفراد أو دين يتبعونه أو مبادئ وتقاليد وقيم يحرصون على احترامها، وعنصر الإلزام وهو الجزاء الذي يرتبه القانون على مخالفته كالعقوبة والتعويض والرد والفسخ والبطلان وغيرها، إن القوانين الوضعية كانت قبل الثورة الفرنسية مزيجاً من القواعد الآمرة والناهية الموروثة عن الرومان وغيرهم إضافة إلى بعض المبادئ الأخلاقية والعادات والتقاليد والسوابق القضائية ثم بعض القواعد الدينية التي تختلف باختلاف الدين والمذاهب، وبعد الثورة الفرنسية تم تجريد القوانين الوضعية من كل ما له علاقة بالدين والعقائد والأخلاق والفضائل الإنسانية، وأصبحت هذه القوانين تنظم علاقات الأفراد المادية وشئون الأمن ونظام الحكم، وذلك تحت زعم تحقيق وتطبيق الحرية والمساواة والإخاء بين الأفراد، ولكن أدى ذلك إلى فساد الأخلاق وانتشرت الفوضى مما أشاع روح التمرد والاستهانة بالقانون وكثرت الثورات وتعددت الانقلابات، وغاب الاطمئنان وانعدم الأمن، ولكن الشريعة الإسلامية حلت تلك المشكلة ببساطة ومنطق حيث ساوت بين الأفراد فيما هم متساوون فيه وخالفت بينهم فيما هم مختلفون فيه، ولذلك عادت الكثير من الدول إلى تطبيق الحدود والقصاص لأنه أساس كل التشريعات ولا يمكن إهمالها لأن القصاص هو قمة العدل في القضاء فقبل أن نفكر في الرحمة بالمتهم لابد أن ننظر إلى آلام المجني عليه.