تحدث صديقي عما حدث لسيارة ابنه الطالب الجامعي عندما تعطل لديه إطار السيارة؛ فتوقف، ووجد نفسه كسولاً وعاجزاً عن أن يغير الإطار؛ فقاد السيارة إلى محطة المحروقات مسافة، أدت إلى تقطع الإطار أجزاء متهالكة، وأثر ذلك على حامل الإطار الذي تضرر كثيراً، وأصبح غير صالح للاستخدام، بمعنى أن إصلاح الإطار واستبدال الإطار الاحتياطي الذي لن يكلفه سوى دقائق قليلة أوصل إلى نتيجة باهظة، مبلغ قرابة الألف ريال؛ من جراء تغيير الإطار وحامله وأجرة العمل. وتساءل صديقي عن سبب هذا التبلد واللامبالاة لدى ابنه؟ قلت: المسؤول الأول أنت؛ فهذه أمور يكتسبها الابن من والده، لكن تساهلك معه أدى إلى اتكالية أوصلته إلى هذه النتيجة. قال: وهل هناك حلول أخرى؟ قلت: نعم. المدرسة دورها كبير، والطالب يتخرج من الثانوية العامة ولا يعرف القيام بأي عمل يدوي، ونحن نشهد عزوفاً عن التعليم وكثرة الغياب وضَعف البيئة المدرسية؛ ما أدى إلى واقع مؤلم. وقد سبق أن زرت اليابان وكوريا وسنغافورة، ووجدنا في بعض المدارس التي زرناها ورشاً في كل مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية، متعددة المجالات، يتعلم الطالب فيها بشكل تطبيقي مبادئ الصيانة الأولية للحواسيب الآلية والجوالات وميكانيكا السيارات والكهرباء والسباكة والنجارة، وغيرها من اللوازم اليومية، بحيث يكون ذلك ضمن نشاط ومقرر الطالب، ويتخرج من الثانوية وهو قادر على إصلاح ما يحتاج إليه في سيارته أو سيارة عائلته أو الحواسيب أو الجوالات، أو الصيانة البسيطة في المنزل.. وهو هنا لا يأنف من العمل اليدوي والمهني والفني، ولا يصنف الطالب المهني بل التعليم المهني والتدريب الفني مدموجٌ في التعليم العام، ولا يوجد جهاز منفصل؛ وذلك لتعميق احترام العمل اليدوي لدى الناشئة، وتخريجهم قادرين على الصيانة في منازلهم وخدمة أنفسهم، وما حدث لابنك يحدث يومياً لأبنائنا، الذين يقف أحدهم حائراً أمام صنبور ماء يحتاج إلى ربط، أو تغيير مصباح إنارة، أو صيانة بسيطة للسيارة؛ ولهذا قادت تلك الدول العالم فنياً وتقنياً وصناعياً، وبقينا نحن اتكاليين في أبسط الأمور. ضحك صديقي، وقال: فعلاً، أنا أعطف على أطفالنا الذين يحملون هذه الكتب الثقيلة على ظهورهم، وتصيبهم بتشوهات في العمود الفقري، ثم يتخرج الطالب ضعيفاً في المهارات وفي المعلومات، واسأل نتائج قياس عن مستوى الطلبة ومعلميهم. قلت: صحيح، ووجود الورشة في المدرسة يساعد في اكتشاف ميول الطلبة، فابنك في الرابعة من العمر تستطيع معرفة ميوله إذا كان يحب الفك والتركيب والتعامل مع الأجهزة، أو كان يحب الحديث والكلام.. وعندها تعزز فيه المدرسة الميول التي يواصل فيها حياته مهندساً أو طبيباً أو خطيباً أو إعلامياً أو غيرها من المهن المختلفة.