2013/11/10 - 29 : 11 AM كتب محمد شحات عبد الغني المنامة في 10 نوفمبر/ بنا / السعي البحريني لضمان الأمن لا يقتصر فحسب على المفهوم التقليدي له، وإنما يشمل إضافة إلى ذلك أبعاده المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها بطبيعة الحال الأمن الغذائي الذي بات يمثل واحدا من أهم المعايير التي يتعين على الدول الالتزام بها لتحقيق مستوى عال من الرفاهة الإنسانية لمواطنيها. وفي هذا الشأن، لم يكن غريبا أن تطالعنا إحدى أكبر المؤسسات البحثية الغربية، وهي أوكسفورد بيزنس جروب، بتقرير تشير فيه إلى أن البحرين، وكالعهد بها دائما، تسعى بجهد دؤوب لتوفير احتياجاتها الغذائية، وتعمل بشكل وثيق وفعال مع الجهات المعنية في الداخل والخارج لتحقيق أهدافها في هذا الصدد، وذلك في إشارة إلى واحدة من الاستراتيجيات التي تبنتها المملكة لتحسين قدراتها في مجال الغذاء، وذلك إثر التعاقد مع السودان لاستثمار أكثر من مائة ألف فدان هناك بهدف تخصيصها للإنتاج الزراعي والحيواني. ويبدو أن البحرين في جهودها تلك استشعرت جملة من الأخطار التي لا يمكن غض الطرف عنها، سيما بعد أن تصاعدت حدة الأصوات التي تطالب بضرورة تأمين الحد الأدنى الكافي من الإمدادات الغذائية الذاتية في حال حدوث أي طارئ يمنع من الاستيراد من الخارج، ويحد بالتالي من وقْع تأثير أزمات الكوارث الطبيعية والمناخية على الدول المنتجة للغذاء، ومن ثم يغني المملكة باعتبارها إحدى الدول المستوردة للمواد الغذائية من الوقوف أمام قائمة طويلة من الاشتراطات قبل تزويدها باحتياجاتها الأساسية من المواد الغذائية. وقد يكون من أبرز هذه المخاطر الآنية التي أدركتها المملكة سريعا بدلا من السقوط في وهدة التبعية والاستيراد من الخارج، ما يتعلق بارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في أسواق الغذاء العالمية، وليس في المنطقة فحسب، ما أدى إلى تصاعد حدة أزمة الغذاء حتى في كبريات الدول المنتجة التي استغنت عن أحد أهم مصادر دخلها الوطني لتخصص إنتاجها الزراعي للاستهلاك المحلي فقط بدلا من تصديره للخارج. وهو ما يُضاف إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني بوتيرة متسارعة عالميا، والتي كان للبحرين نصيب كبير منها، حيث يصل بها هذا المعدل إلى أكثر من 4% سنويا، هذا فضلا عن زيادة مستويات الرفاهة البشرية، خاصة في الدول ذات الحجم السكاني الكبير، وهي الزيادة التي أدت بدورها إلى ارتفاع في معدلات الاستهلاك عن الحد الطبيعي لها إلى درجة أصبحت معها السمنة من أمراض العصر. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أزمة الغذاء العالمية بأبعادها المختلفة تلقي بظلالها على العالم العربي عامة، ودول الخليج بشكل خاص، باعتبارهما من أكثر مناطق العالم استيرادا للغذاء بقيمة ورادات تصل إلى أكثر من 30 مليار دولار عام 2007، وبفجوة غذائية تصل قيمتها إلى نحو 23 مليار دولار لنفس العام، كما تستورد المنطقة ثلث احتياجاتها من الألبان والبقوليات ونحو الثلثين من السكر وأكثر من النصف من الزيوت والشحوم، وهو الأمر ذاته بالنسبة لدول مجلس التعاون التي تقدر واردتها من الغذاء فقط بنحو 12 مليار دولار، ما يعني انكشاف أمن الإقليم كله للخارج وتعرض استقراره للتهديد إذا ما حدث أي طارئ يمنعه من تلقيه وارداته الغذائية الأساسية. وبقدر خطورة هذه التحديات التي تمس البحرين كجزء من محيطها الخليجي وعالمها العربي، هناك أيضا المخاطر ذات الطابع الخاص بالمملكة باعتبارها من الدول صغيرة المساحة في الأصل، وتقع في الإقليم المناخي الصحراوي الجاف، الذي تندر فيه الموارد المائية إلى درجة كبيرة، إضافة بالطبع إلى تناقص مساحتها القابلة للزراعة مع التوسع العمراني والحضاري، وهو ما يضاف بالتأكيد إلى تجاوز قيمة واردتها الغذائية التي تتراوح بين 200 إلى 202 مليون دينار حسب إحصائيات عام 2008، ويُتوقع أن ترتفع إلى 1.6 مليار دولار عام 2020 . وفي إطار جهود المملكة للحد من هذه الأخطار، ولتحقيق مستوى عال من الأمن الاجتماعي والسياسي، عملت البحرين وفق استراتيجية شاملة ومتوازنة لمواجهة التحديات التي تتسبب فيها أزمة الغذاء العالمية وتوفير الحد الأقصى من الأمن الغذائي، وذلك كالآتي: أولا: إيلاء الأهمية الكافية للقطاع الزراعي الوطني، ورغم محدودية تأثير هذا القطاع وضآلة عوائده بفعل الظروف المناخية والطبيعية للخليج ككل، مثلما أوضحنا في الفقرات السابقة(لا يتجاوز الناتج المحلي الزراعي ال 20 مليون دينار، ويبلغ حجم العجز في الميزان السلعي التجاري 182 مليون دينار)، لكن الدولة لم تدخر جهدا في توفير احتياجاته وتقديم الحوافز للمشتغلين فيه، وذلك لضمان حمايته والحفاظ عليه، سيما فيما يتعلق بالمزارع التي تقوم بتربية الأبقار والأغنام والدواجن وتلك التي تزرع بعض أنواع الخضروات وتشجيع المزارعين والمربين على الاستمرار فيها. ولعل ما يؤكد هذا المعنى مشروعات الحاضنات الزراعية والبيوت المحمية أو البلاستيكية، وزيادة القروض المقدمة للمزارعين وتيسير التمويل لمشروعاتهم، خاصة الصغيرة منها، وشراء منتجاتهم، وتوفير الدورات التدريبية والدعم اللازم لهم، خاصة فيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج الخاصة بمشاريعهم من بذور وأسمدة وغير ذلك. ثانيا: تنمية الاستثمارات القائمة على الصناعات الغذائية، ورغم أن هذه الاستثمارات لا زالت في طور البداية، لكن المؤشرات التي تصدرها الجهات المعنية تؤكد أن هناك نموا بشكل مطرد، والدليل على ذلك تلقي العديد من الطلبات الاستثمارية للدخول في هذا القطاع الحيوي، وإنشاء عدد كبير من الشركات التي تدعم الإنتاج والاستزراع السمكي والداجني والسكر والتمور وغير ذلك.. وقد ساهمت هذه المشروعات بشكل كبير ليس فقط في توفير قدر لا بأس به من الإنتاج المحلي من هذه المنتجات، ومن ثم تقليل الاعتماد على الخارج في تلبية الاحتياجات الوطنية، وإنما أيضا في تنمية رأس المال البحريني الذي زادت قيمة استثمارات القطاع الخاص فيه على600 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى زيادة عدد العاملين في القطاع، والذي يصل إلى أكثر من 11 ألف عاملا، منهم 2200 بحريني ونحو تسعة آلاف من العمالة الأجنبية، وهو بعد اجتماعي مهم ضمن استراتيجية الدولة لرفع مستوى معيشة المواطنين وتكوين رأسمالية وطنية متخصصة في هذا القطاع. ثالثا: توسيع خيارات الاستثمار الوطني لتشمل الإنتاج الزراعي في دول عربية وأجنبية مجاورة، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن التوجه البحريني في هذا الشأن هو توجه قومي خليجي بعد الإعلان عن قيام كل من المملكة السعودية والإمارات والكويت بتوجيه جزء من استثماراتها لكل من السودان ومصر وباكستان، كما أنه مطلب عربي راسخ منذ زمن للاستفادة من السودان باعتبارها سلة الغذاء العربي، ولتعظيم العائد من فكرة التخصص الإنتاجي وميزات الإنتاج التنافسي التي دعت إليها القمم الاقتصادية العربية.. والمعروف أن فكرة التخصص الإنتاجي تقوم على الاستفادة مما تتمتع بها الدول العربية من ميزات إنتاجية لا تتمتع بها غيرها، حيث يتوفر في السودان الأراضي الخصبة والموارد المائية اللازمة فضلا عن الأيدي العاملة وفرص ووفورات الإنتاج الكبير بينما تتوفر لدول الخليج القدرات التمويلية اللازمة لتشجيع الاستثمار الذي يمكن أن يمثل قيمة مضافة للموارد الطبيعية العربية ومن ثم مصدرا للدخل وعائدا استثماريا بالعملات الصعبة. رابعا: مواكبة التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا الزراعية، ولعل أبرز الدلائل على هذا التوجه البحريني بروتوكولات التعاون التي أبرمتها المملكة مع العديد من الدول، ومنها الصين، واستهدفت نقل وتوطين التكنولوجيا واستلهام النجاحات التي حققتها الدول، فضلا عن التعرف على الخبرات الأجنبية في هذا المجال. ومن هنا يمكن استخلاص أهداف النهج البحريني من استراتيجيتها لتحقيق أمنها الغذائي، والتي يأتي في مقدمتها الاكتفاء الذاتي من بعض السلع والمنتجات الزراعية، سيما منها تلك الرئيسية، أو التي تمثل حاجة قصوى للمستهلك المحلي من قبيل الخضروات والأوراق وغيرها، هذا فضلا عن تنويع مصادر الاستيراد، وهو الهدف الذي تضمنه الاستثمارات الموجهة لتصنيع وبناء صوامع ومستودعات وبرادات تخزين المنتجات الغذائية داخل المملكة، حيث إن تنمية هذه الصناعات يضمن توسيع الخيارات أمام البحرين في الاستيراد من كافة الدول دون الاعتماد على دول بعينها، وهو ما يحقق لها هامش حركة واسع والقدرة على المناورة عند حدوث أي طارئ يمنع من الاستيراد. يضاف إلى ذلك تعزيز وبناء أواصر اللحمة العربية العربية من خلال دعم المشروعات الزراعية المشتركة، وهو نهج ثابت في السلوك الخارجي للمملكة، التي تتحرك بسرعة وفاعلية لتنفيذ المقررات العربية والخليجية الخاصة بدعم التعاون الزراعي، من قبيل إعلان الرياض، وهو نهج في الحقيقة نابع من إيمان بحريني راسخ بأهمية مشروعات السوق العربية المشتركة وبأولوية التعاون العربي والخليجي على ما عداه كخطوة أولى للوصول لمرحلة التحالف والتكامل الشامل. //م ش ع// خ ف بنا 0835 جمت 10/11/2013 عدد القراءات : 42 اخر تحديث : 2013/11/10 - 29 : 11 AM