تحت عنوان «عظمة الشرق الأوسط» تجاورت في «أوبرا غاليري» قلة من أعمال رواد الحركة الفنية في العالم العربي، مع نسبة غالبة لأعمال الفنانين الشباب. وحملت الأعمال التي انقسمت إلى إيرانية وعربية من سورية ولبنان والمغرب ومصر والكويت وقطر أكثر من أسلوب فني، بدءاً من التجريد ووصولاً الى المدارس الكلاسيكية التي تمزج بين الواقعية والتعبيرية. وكانت الأعمال التشكيلية هي الطاغية على المعرض في حين كان للنحت الحصة الأصغر مع أربع تجارب نحتية من إيران. كانت لوحات كل من فاتح مدرس وبول غيراغوسيان أبرز الأعمال الفنية الموجودة في المعرض، فهي لاثنين من رواد الحركة التشكيلية العربية. تحمل لوحة مدرس «الأيام الأخيرة لهبة» أسلوبه التجريدي الممزوج بنفحة طفولية بدت واضحة على ملامح الفتاة التي رسمها في مشاهد وهي تلعب وتحمل دميتها، بينما كانت أعمال اللبناني بول غيراغوسيان تعود إلى سلسلة أعماله التجريدية التي رسمت الهيئة والإنسان بأسلوب تجريدي. وتُعد تجربة غيراغوسيان من التجارب الفنية التي تجذب المقتنين في هذا الوقت، نظراً لقلة أعماله الموجودة في السوق الفنية، ناهيك عن أنه كان مقلاً في ما قدمه خلال حياته. واللافت في المعرض الذي حمل عنوان عظمة الشرق الأوسط غلبة الأعمال الإيرانية على العربية من جهة، وكذلك التركيز على تجارب الفنانين الشباب وليس الرواد، فاقتصر وجود الرواد على مدرس وغيراغوسيان. ومن رواد العالم العربي إلى الشباب تنقلنا لوحة الفنان السوري سبهان آدم، إلى عالم تحيطه الفلسفة التي يجسدها عبر القبح والألم، فيبدو العالم متجسداً في هيئة إنسان مرفوع على النار والدماء. لوحة آدم لا تغيب عنها نظرته إلى المجتمع والحياة، وما يحيط البشر. يترجم فيها أحاسيسه وينقلها بصدق الى المتلقي، لتبدو كأنها عملية مكاشفة ذاتية بينه وبين المتلقي، ناهيك عن أنه يجيد وضع الإصبع على الجرح، فيتقن التصويب على حالة تلم بالمجتمع ككل. يتصاعد تمثيل القبح في عمل بسيم الريس، حيث بدت اللوحة صاخبة بالحركة وغنية بالرموز التي حاول تقديمها لتكون هي السبيل إلى ولوج عالم تغلفه الأشياء القبيحة وغير المفهومة أحياناً. يجيد الريس اغناء اللوحة ب«الموتيفات» الفنية ليقضي على الفراغ في اللوحة، فتبدو الشخصية التي يقدمها غارقة وسط ضوضاء الكون والمحيط. حمل المعرض مجموعة من اللوحات التي أخذت من الكلمة والحرف منطلقاً لها، وكان من بينها عملان للإيراني مهدي نابافي الذي كتب كلمة «عشق» بالكرات البلورية الملصقة على الكانفاس، الى جانب الحرف الذي نحته الإيراني بارفيز تانافولي باللون الأحمر فبدا كأنه كرسي. الى جانب الحرف، كان في المعرض مجموعة من الأعمال النحتية والمجسمات التي كانت على شكل أحصنة لكل من الإيراني بورا اينبور، وانيه محمد تاتاري، بينما تحولت المجسمات الى التجريد مع أحمد نجاة، ومسعود اخفنجام اللذين منحا المادة الصلبة البعد اللين من خلال الحركة والإيقاع للمنحوتة. أما الأعمال التركية فكانت قليلة في المعرض، ولكنها تبقى محافظة على الخط الخاص بها، فالفن التركي يتوجه إلى مشاهد حياتية والوجوه بشكل أساسي، فهي المنطلق للوحة والعمل الفني، ومن خلالها يختصر الفنانون علاقتهم مع المحيط والمشكلات الحياتية. في المقابل، كان للتصوير حصته في المعرض، وكانت أبرز الأعمال التصويرية للعراقي حليم كريم الذي يتعمد إظهار الوجوه بحالة ضبابية مستغلاً تقنيات الإضاءة، بينما كان ليوسف نبيل عمل تصويري لامرأة تظهر الملامح المصرية التي يحرص على ألا تغيب عن أعماله. وقال الفنان لؤي صلاح الدين الذي شارك بأكثر من لوحة في المعرض، «وجودي في هذا المعرض هو تجربة مميزة بالنسبة لي، ولاسيما أن هناك أعمالاً لرواد الحركة الفنية». ولفت إلى أن «غاليري اوبرا» قدم له الدعم في مشواره الفني وهي ليست مشاركته الأولى، منوهاً بأنه قدم معارض فردية في دبي سابقاً. واعتبر ان مشاركاته كانت خجولة في المعارض، مشيراً الى أنه يعمل في أقمشة الأزياء، واللون، ولديه فريق عمل كبير، والمصممون أحبوا تجربة الكولاج على الأقمشة. ونوه بأن الفن لا يمكن أن يؤمن معيشة الفنان، معتبراً أن الفن يحتاج إلى الكثير من التضحية حتى يصل الفنان الى مكانة في السوق تمكنه من أن يعيش حياة كريمة من خلال الفن، مؤكداً أن اللوحة تبقى وسيلته الوحيدة للتعبير عن الكثير من الهواجس والأفكار الشخصية، وكذلك التعبير عن الآخرين. وأشار الفنان مهدي نابافي، إلى أن أعماله تحتمل الكثير من المصاعب، فهو يعمل على التقطيع الذي يتم بواسطة الليزر والآلات، وبالتالي هي تحتاج لأيام كي يتم تركيبها، بينما تبقى المرايا الحقيقية أكثر صعوبة، فهي تقص يدوياً، وتحتاج الى الكثير من الدقة والعناية في التركيب. غياب إماراتي لوحظ أن المعرض الذي اختتم، أخيراً، قد حمل كثيراً من التجارب العربية والخليجية والإيرانية، مع غياب للتمثيل الإماراتي، على الرغم من وجود كثير من التجارب الفنية الإماراتية التي تستحق أن تكون في هذا المعرض، سواء من الجيل الأول أمثال عبدالقادر الريس، ونجاة مكي، وعبدالرحيم سالم، أو حتى الكثير من الأسماء الفنية في جيل الشباب. كرات بلورية أكد الفنان مهدي نابافي، أن الكرات البلورية هي المادة الأساسية لعمله، وأن اختياره كتابة كلمة «عشق» أتى من معنى الكلمة فهي تعني للجميع، ومؤثرة في الناس، كما أن الكرات التي استخدمها معروفة جداً، وهي من الكرات التي لعبنا فيها في مرحلة الطفولة. ورأى أن عمله في أيام غاليري كان ناجحاً. التزام فني أكدت مديرة معرض أوبرا غاليري أناماريا برساني، أن «السنوات الأخيرة شهدت اقبالاً واهتماماً متزايداً على الفن الحديث والمعاصر في الشرق الأوسط، كما تأثرت المنطقة بأحداث الفترة السابقة والحالية، اذ تتميز بالحيوية والانتقائية مما أوجد جيلاً جديداً من الفنانين المبدعين». ولفتت الى ان «أوبرا» غاليري تلتزم بتقديم التجارب الفنية المميزة في العالم العربي، لذا تحرص على تلبية متطلبات السوق الفنية المحلية من خلال ما تطرحه من أعمال. الامارات اليوم