«حكمت المحكمة حضورياً بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي للمدعي مبلغاً وقدره... درهماً، والفائدة القانونية بواقع 9% من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً حتى تمام السداد، وألزمته بالمصروفات وبمبلغ 500 درهم مقابل أتعاب المحاماة».. ما إن أنهيت نطقي بالحكم حتى وجدت القاعة فارغة من المتقاضين إلا واحداً كان يجلس في الصف الأول لابساً روب المحاماة الأسود، فسألته: هل لديك طلبات يا أستاذ؟ فأجاب: كلا، فقلت: لمَ إذاً أنت هنا؟ فقال: لأنني لم أرغب في أن تنطق بالأحكام وقاعة المحكمة خالية! «ما أعظمك يا أستاذ»، هذا ما أسررته في نفسي، وقد شكرته على سلوكه المهذب. أنا متأكد من أن تلك القصة قد تكررت كثيراً بأبطال آخرين وبتفاصيل مختلفة، لكن يبقى لبّها هو سلوك المحامي الإماراتي النير. «إن المحامين في علاقتهم بالعدالة والقضاء، لا يقلون أهمية عن القاضي ووكيل النيابة ورجل الشرطة، فهم لا يأتون في المرتبة الأخيرة في مربع العدالة كما يُظن خطأً». لا شك في أنه أياً كانت المهنة أو الحرفة فإنها تعد من مقتضيات الحياة الاجتماعية، والمحاماة تلك المهنة الحرة الرفيعة، بل إحدى الوظائف المهمة في جسم الأمة، فالمحامي هو من يمحّص القضايا المعقّدة، فيستمع بعقله ووجدانه وبكل أمانة لأقوال موكليه، ساعياً لتبسيطها وإلباسها رداء نور القانون، مستعيناً بالعدل والحكمة لفهمها وحلها. وهنا يجب أن تقال كلمة حق فيهم، إن المحامين في علاقتهم بالعدالة والقضاء، لا يقلون أهمية عن القاضي ووكيل النيابة ورجل الشرطة، فهم لا يأتون في المرتبة الأخيرة في مربع العدالة كما يظن خطأً فالعلاقة في ما بينهم علاقة تكاملية لا علاقة تفضيل أحدهم على الآخر، فالمحامي في كثير من الأحيان لا تقل معارفه ودرجاته العلمية عن القضاة وأعضاء النيابة، بل قد يتعداهم أحياناً، والمحامون في العديد من الأنظمة هم من يشكّلون رجال القضاء، وفي دول أخرى هم من يترشحون ليكونوا رؤساء الدول. ولا غرابة في أن الأقدمين قد اعترفوا بأهمية المحامي، فقد قالوا: إن على صاحب الدعوى أن يقيم عنه وكيلاً، وذلك صيانة لعرضه وماء وجهه، وهم الذين يحافظون على الحقوق المهددة بالضياع، وهم من أركان المجتمع الإنساني، ولهم الفضل في الدفاع عن ملكنا مثل الذين يخوضون المعامع ويسفكون الدماء. دولة الإمارات دولة السعادة، وهي دولة الخدمات الذكية، وهي مقبلة على تحديات كبيرة حاضراً ومستقبلاً، وأمام كل تلك المعطيات والتحديات أما آن لتلك المهنة أن تأخذ حقها الطبيعي في المجتمع؟ أما آن أن تُصغي لها الآذان؟ أما آن أن يكون لها تنظيم قانوني يليق بها على غرار تلك التنظيمات لبقية عناصر أضلاع العدالة؟ نقطة وأول السطر.. المحامون هم قادة يدافعون بصوت الحق عن الأمل والحياة وعن عائلات الذين يتألمون. مدير معهد دبي القضائي الامارات اليوم