تركت مسرحية «ع أرض الغجر» بصمة في قلوب الجمهور، الذي تابع العرض الأخير أمس الأول على مسرح برج بارك قرب من برج خليفة، ضمن العروض الثقافية والفنية التي تقدمها مؤسسة دبي للفعاليات والترويج التجاري لجمهور مهرجان دبي للتسوق في دورته الثامنة عشرة. وتناولت المسرحية في قصتها المبتكرة قضية الصراع بين الإنسان والأرض، وكانت حداثة الفكرة سبباً في نجاح العرض من بين أسباب أخرى تتعلق بالبناء الدرامي وإجادة استخدام المسرح وأدواته في عرض الفكرة، وكانت النهاية مفاجأة للجمهور، لكنها تتماشى مع الخط الدرامي للقصة التي جاءت متكاملة ومترابطة منذ الحدث الأول إلى الأخير. أجاد خلال العرض كل أعضاء الفريق بداية من الممثلين الذين عبر كل منهم عن الشخصية التي يؤديها بحرفية عالية أقنعت الجمهور، وبصفة خاصة شخصية مصبح الزازا، كما أجاد البطل سلفادو استخدام حنجرته القوية في أداء الأغنيات التي تخللت العرض، وقام الجمهور بالتصفيق أثناء العرض أكثر من مرة للتعبير عن إعجابه بالأداء. ويمكن اعتبار العرض المسرحي رصيدا إيجابيا للرحابنة القدامى والجدد معاً، فمن يشاهد العرض يفهم أن شخصية الراحلين منصور وعاصي لا تزال تترك أثراً فنياً كبيراً يحسه الجمهور من بين السطور، خاصة جمهور الرحابنة القدامى، كما أن الفكرة في حد ذاتها تعبر عن النضج الفني الذي وصل إليه تلاميذ ناجحون لأساتذة راحلين، ولعل أبلغ دليل على ذلك أن المشاهد يشعر بالامتداد الفني والفكري بين الاثنين، والاستعراضات المبتكرة التي أمتعت الجمهور كذلك تنتمي إلى المدرسة العريقة، وتتمتع بنفس المذاق الفني العريق واللائق بتاريخ الرحابنة الموغل في محراب الفن الاستعراضي المسرحي منذ منتصف القرن الماضي، وهذه الاستعراضات الغنائية الموسيقية تضفي على العرض جمالية تخرج به من حدود الرتابة والملل، وتسرق اهتمام المشاهد وتورطه إلى آخر دقيقة من العرض، كما تعيد إحياء أحد الفنون المنقرضة في عصر المسرح التجاري الذي يتعجل المكسب المادي على حساب الفن. المواقف الدرامية ويمكن اعتبار الاستعراضات ناجحة لأنها تجاوزت حدود التقليد ووظفها المخرج توظيفاً جيداً للتعبير عن المواقف الدرامية المتعددة التي مر بها البطل خلال الأحداث، إلى درجة النزول عن خشبة المسرح والتجول بين الجمهور، كما أجاد أفراد الفرقة تقديم هذه العروض بلياقة وخفة وتناغم لا يقل عن التناغم بين عناصر العرض الأخرى، مثل الألحان التي وضعها باحتراف غدي الرحباني، والتي تعكس تشبعه واقتناعه التام بأهمية المسرح الاستعراضي في تغيير العقول والأفكار، ويتسق ذلك مع أداء شقيقه مروان الذي أخرج العرض بإتقان يؤكد أنه تشرب باقتدار موهبة الأب في الإدارة والتوجيه، فنجد الديكور المعبر عن المواقف المختلفة، مثلاً خيام الغجر كانت خياماً حقيقية ودرجات السلم لم تكن مجرد واجهة، حتى العمال المختصين باستبدال لوحات الديكور أجادوا القيام بذلك الدور بسرعة ودون أن نلاحظ - نحن الجمهور - ذلك، أيضاً إذا تأملنا تصميم الملابس نجدها تتسق مع المشهد، وعلى الرغم من تعدد المناظر المسرحية التي أداها فريق الغجر، إلا أن الملابس كانت تستبدل في كل مشهد بما يناسبه، ويعني ذلك ببساطة احترام عقول الجمهور. المشاهد ... المزيد