الإسكندرية: باتت عقارات مدينة الإسكندرية (شمال مصر) أشبه ب"قنابل موقوتة" تنفجر في وجه قاطنيها من حين لآخر مخلفة عشرات القتلى والمصابين. وتعاني عقارات ثاني أكبر المدن المصرية، التي أسسها الإسكندر الأكبر "المقدوني" في العام 332 قبل الميلاد لتخليد ذكراه، من ضعف الانشاءات والمرافق، فضلا عن تزايد المباني المخالفة منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وشهدت المدينة خلال السنوات القليلة الماضية سلسلة انهيارات لعقارات قديمة وأخرى حديثة الانشاء، كان آخرها انهيار عقار بمنطقة "المعمورة" صباح أمس الأربعاء، خلف 25 قتيلاً و11 مصابًا على الأقل، بحسب محمد الشرقاوي، وكيل وزارة الصحة. وتبدو مباني المدينة وكأنها تقع بين فكي آثار الماضي البعيد وتلاعب المقاولين الحاليين بما يهدد مستقبلها، حيث استغل البعض حالة الفوضى التي سادت البلاد إبان الثورة وقام بإعادة بناء عقارات بارتفاعات كبيرة بالمخالقة للقانون، ومن دون مراعاة شروط السلامة فيها، بحسب خبراء هندسيون. ويلخص خبراء هندسيون، تحدثوا لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء، أبرز أسباب انهيار المباني في الإسكندرية ب"ضعف الانشاءات وغش المقاولين المسئولين عن البناء"، فضلا عن طبيعة المدينة الساحلية حيث تؤثر فيها المياه الجوفية وكذلك السراديب الأثرية، والعوامل البيئية و"ملوحة" مياه البحر. يقول محمد عبد الحميد، مدير آثار الاسكندرية، إن هناك أجزاء من مدينة الاسكندرية الحديثة قد بنيت فوق بقايا المدينة القديمة، والتي تكشف عن نفسها أحيانا بالهبوط الأرضي نتيجة السراديب وصهاريج المياه الأثرية في العصرين الروماني والبطلمي وغيرهما، وحتي مخابئ الحرب العالمية الثانية. وأشار عبد الحميد إلى أنه تم اكتشاف أكثر من 22 تجويفا أرضيا على مدار العامين الماضيين تقريبا، من خلال الأجهزه الحديثة التي تكشف باطن الأرض أو عقب حدوث هبوط أرضي. وأوضح أن سكان الاسكندرية في الماضي كانوا يدركون أهمية الأساسات الجيدة عند بناء عقاراتهم، قائلا "في منتصف القرن الماضي كانوا يرفعون أساسات المباني على قطع حجرية تدك بشكل معين وتسمى (دكة اسكندراني) لحمايتها من منسوب المياه الجوفية التي يتأثر بحركة المد والجذر". ودعا إلى ضرورة مراعاه الشروط الهندسية لكل منطقة "باعتبار ذلك هو السبيل الأساسي للحفاظ علي العقارات لا سيما وأن للإسكندرية وضع خاص نتيجة تأثير مياه البحر". وعلي الجانب الهندسي، قال علي بركات نقيب مهندسي مدينة الإسكندرية، إن عدد العقارات المخالفة لنظام وقانون البناء بالمدينة يصل إلى "أكثر من 12 ألف مبني". وطالب بالتمييز بين المباني المخالفة لقانون تنظيم البناء في مصر "لكنها سليمة إنشائيا ولا خطورة عليها"، وبين الأخرى التي تمثل خطورة حقيقية علي أرواح السكان. ولفت إلى أنه من الصعب للغاية إجراء حصر دقيق للمباني "الخطرة إنشائيا" حيث يتطلب الأمر تشكيل لجنة علمية تفحص كل عقار وهي مهمة ليست سهلة، متهما بعض المقاولين بالتلاعب بالقوانين وأرواح المواطنين. وكان رئيس الجهاز الفني للتفتيش على أعمال البناء بوزارة الإسكان المصرية حسن علام، قال في، تصريحات تليفزيونية أمس إن عدد العقارات المخالفة في مدينة الإسكندرية يصل إلى 14521 عقار. ولفت إلى أن الاختبارات التي يتعين إجراءها على هذه العقارات لمعرفة الأشد خطورة فيها تتطلب العمل المتواصل لمدة أسبوعين بتكلفة تصل إلى 50 ألف جنيه (8 آلاف دولار) للعقار الواحد الأمر الذي يجعل من المستحيل تنفيذ تلك الخطوة. وأوضح أن قائمة ال95 عقار المهددة بالانهيار والتي تحدث عنها محافظ الإسكندرية إحصاء "غير دقيق"، موضحا أن القائمة ضمت العقارات الواضح للغاية أنها على وشك الانهيار، مقدرا عدد العقارات المخالفة التي تم بنائها قبل الثورة ب3666، وبعد الثورة جرى بناء 10855 عقار مخالف مهدد بالسقوط، على حد قوله. وكان خبراء كلية الهندسة جامعه الاسكندرية قد أوصوا، في تقرير سابق، بسرعة إزالة المباني غير الآمنة إنشائياً والتى تمثل خطرا داهما على حياة قاطنيها، مطالبين بالتعامل مع هذه المنشآت ب"جدية تامة" عن طريق لجنة إنشائية استشارية بالتعاون مع نقابة المهندسين. كما نصح الخبراء بضرورة قطع جميع المرافق عن المباني المخالفة ومتابعة المباني تحت الانشاء بحيث يتم قطع إمدادها بالمرافق مباشرة حال شروعها فى المخالفة، كما أوصت بحظر جميع التعاملات القانونية على العقارات المخالفة حتى لو كانت "آمنة إنشائياً". واقترح الخبراء إعداد "قائمة سوداء" بالمباني والمقاولين المخالفين، وحظر التعامل معها نهائياً، بالاضافة إلي إقامة مشروعات سكنية لمحدودي الدخل والشباب، وتوفير ما يلزمها من طرق مواصلات لمساعدة الشباب على الابتعاد عن المباني المخالفة ذات التكلفة الأقل. كما طالبوا بإصدار قرار من محافظ الاسكندرية بتوحيد الارتفاعات في المناطق المختلفة طبقاً للقانون.