أطماع سكان الهضبة الشمالية المكتظة سكانيا في السهول الجنوبية الخصبة ومياهها الدافئة الغنية المفتوحة على حواضر العالم القديم شرق آسيا وافريقيا ليست وليدة اللحظة بقدر ما هي قديمة, أول تسجيل تاريخي لها عرف بغزو مجرم الحرب الملك السبئي كرب آل وتر لدولة أوسان الجنوبية, وتزايدت الأطماع التوسعية مع تزايد نفوس سكان الهضبة المحدودة الموارد مترافقة مع تنامي أهمية ميناء عدن كمركز تجارة دولي, وازدهار عدن واحتياجات القاعدة البريطانية – حينها- مضاف له متطلبات زراعة القطن في دلتا بنا وتبن للأيدي العاملة والتي مثلت مدخلاً لهجرة جماعية من الهضبة إلى المستعمرة البريطانية عدن وتخومها, تعزيزاً للمكاسب الاقتصادية للمهاجرين، أما الكتل الاستيطانية الأخرى الوافدة خصوصاً من الهند فقد حضرت بقوة في الحركة السياسية الوليدة, مسجلة أول مروق نزق (لليمننة) في الحركة الوطنية الجنوبية الناشئة، وازدادت تعاظماً منتصف خمسينات القرن الماضي تحت مسمى "الجبهة الوطنية المتحدة". ليس بعيداً عن ذات المسمى تشكل المعارضة السياسية والعسكرية الشمالية بعدها في (حوشي) مشكلة الحزب الاشتراكي اليمني, ك(دكان) استخدم وكراً لترويج (اليمننة) من أجل تمكين الأطماع الشمالية في الجنوب التي توجت بمؤامرة 22 مايو 90م المشؤوم, لأن يمننة الجنوب كانت أساساً غطاءً لأهداف استيطانية توسعية حيث لم يتقبل سكان الهضبة من القوى التقليدية العسكرية القبلية أصول ومتطلبات الشراكة الوحدوية, ما اضطرهما للذهاب إلى خيار الحرب 27 ابريل 94م إسقاطاً لحقوق الشراكة وتنفيذاً للمقولة الاستعمارية اليمنية "عودة الفرع إلى الأصل". رب ضارة نافعة فقد أيقظت الحرب الروح الوطنية الجنوبية المتحفزة للتحرر والاستقلال, ليس ذلك فحسب فتقاسم الأرض والثروة الجنوبية بين الانكشارية الإقطاعية المنتصرة صيف 94م فجر أزمة بين أطرافها, لذلك نرى الجميع يتفق أن جذر الأزمة اليمنية في الأصل جنوبي بامتياز.. تتبع تاريخي أهميته انه يسلط الضوء على الأسباب الحقيقية لمقدم محمد سالم باسندوه (المكتسب للجنسية الجنوبية) للقاء الأول للجنة التحضيرية للحوار الوطني عام 2008م بقاعة اللجنة المركزية للاشتراكي لم يكن مجرد صدفة, التذكر الكامل للحظة تلك كوني أول مرة أشاهد فيها بكائية الباسندوه منبهاً له على أولوية البكاء على (عدن) بدل (الوحدة) كونها صاحبة الفضل عليه, لحظة استذكرها العزيز محمد بلفخر بأحد روائعه لصحيفة (عدن الغد) مؤخراً، حيث كشف حينها إرهاب مجرم الحرب عبدالوهاب الآنسي استمرار حقد حزب الإصلاح السلفي على الجنوب. مسرحية أعدت سلفاً لدموع محمد سالم باسندوه أوصلته فيما بعد إلى رئاسة حكومة الوفاق "السعو-امريكية", الذي هدفها المركزي (الحوار الوطني) استكمالاً للهيمنة اليمنية الكاملة على الجنوب, ليس كيلا للتهم لكن نص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة في الفقرة (20) محدداً مهمة رئيس حكومة الوفاق في الدعوة لعقد مؤتمر حوار وطني, وأيضا نص المبادرة الخليجية في الفقرة (21) "يبحث المؤتمر ما يلي: (ت) يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه".. هذان النصان يجعلان كل من يذهب إلى طاولة الحوار الوطني المزمع انعقاده في العاصمة اليمنية صنعاء أو يدعو له من الجنوبيين في خانة الخيانة الوطنية العظمى, كما يكشفان مبررات التوجس الجنوبي منذ اللحظة الأولى عندما بكى الشيطان في قاعة اللجنة المركزية للاشتراكي في اللقاء الأول للجنة الحوار الوطني عام 2008م. * منسق ملتقى أبين للتصالح والتسامح والتضامن [email protected]