مع بدء أزمات ما بعد تحقق الوحدة جاء وجرى الطرح السياسي على طريقة أن الحزب الاشتراكي هرب إلى الوحدة. فإذا كان الاشتراكي هرب إلى وحدة تتحقق باتفاق سلمي وديمقراطي فإنه يمكن القول بأن النظام في صنعاء هرب أو تهرب من الوحدة قبلاً على أساس الخيار الشيوعي. فإذا كان الاشتراكي هرب إلى الوحدة من الشعب بالمنظور الداخلي البحت، فذلك يعني أن الشعبية الأقوى للاشتراكي والأقل للنظام في صنعاء سابقاً كانت بسبب الاقدام لدى الاشتراكي وحدوياً وهروب النظام بصنعاء من – أو رفضه ل "شيوعية الوحدة". الأفعال والتعاملات السياسية خارجياً مع جلاء الاستعمار تجاه احتمالية توحيد اليمن أو الإنذار السوفيتي للنظام في صنعاء بعدم التدخل في وضع الحرب في عدن عام 1986م وأشياء أخرى، تؤكد ارتباط الوحدة بصراعات الخارج أو بالصراعات مع الخارج. وعادة فليس أطراف الصراعات في الداخل متحررة تجاه صراعات الخارج كما هي تجاه صراعات الداخل إلا بقدر ما توجه من صراعات الخارج. فالقومية أو الأممية كثورة جاءت من أجلنا وأي تدخل في شؤوننا حتى بمحاكمة واعدام وزير داخلية فذلك من أجلنا وله مشروعية ثورية، فالسوفيت والكرملين هم المرجعية والمشروعية للثورة في كل ما يعملون أو يطلبون أو يريدون. الرجعية حين فرضت لذاتها ثقلاً في وضع الثورة بما لم يكن في العهد الإمامي، وحيث عادت وفرضت هذا الثقل من واجهة الثورة ومن خلال النظام والمجلس الجمهوري، هي التي من الصعب هضمها وبالذات من الأحزاب السرية السياسية ومن ثم شعبياً وبالذات في المدن كثيرة الانشغال بالسياسة. ولهذا فالقوى السياسية المعادية والاعلام الشيوعي المعادي كانا يجدان أرضية نجاح شعبية وصلت إلى أغاني سياسية مركزة على هذه المحورية كما أغنية "نشوان يا نشوان". ولعل تحريك تلك المظاهرة والمظاهر الصاخبة ضد رئيس الحكومة آنذاك القاضي عبدالله الحجري وفي العاصمة صنعاء بعد توقيعه لتجديد اتفاق الطائف التلقائي بشأن الحدود بين اليمن والسعودية، يؤكد طبيعة ونوعية التأثير وطبيعة التعامل والاستجابات مع كل مؤثر. الذي نغفله هو أنه منذ أول اتفاق "كامب ديفيد" للسلام وما عرف بتلاقي ثقل الثورة وثقل الثروة بدأ هذا الوضع اتجاها وتوجيهاً وتفاعلات واستجابات يتغير، ومع اندثار الشيوعية ومن ثم تحرير الكويت وتحجيم ومحاصرة النظام العراقي تم تجاوز ذلك الوضع إلى وضع آخر. فالوحدة اليمنية تحققت عام 1990م في ظل مشهد التحامي للعراق والغرب ودول الخليج في الحرب مع إيران، وكذلك بمصر الأكثر التحاماً بدول الخليج سياسياً واعلامياً. وإذاً فقد انتهى الصراع القومي – الرجعي حتى في سطوة الإعلام وصدى السياسة ولم يعد الإعلام المعادي للرجعية في اليمن له ذات الاستجابات والتأثير سياسياً في الواقع، وذلك يعني انتهاء صراع الخارج قومياً- رجعياً وبقاء أو الابقاء على صراع للخارج مع اليمن. صنعاء والنظام في صنعاء هو الذي استعان بدعم مصر لنصرة الثورة، وانتقل إلى تحالف وتعاون مع السعودية بعد الهزيمة القومية 1967م. وحتى مع توقيع أول اتفاق سلام "كامب ديفيد" فالنظام في صنعاء لم يكن متشدداً في مقاطعة مصر كما النظام في عدن الذي دخل عضواً فيما عرف بجبهة الصمود والتصدي. النظام في صنعاء حتى تحقق الوحدة 1990م ومن خلال المواقف سياسياً واعلامياً ظل الأقرب إلى الرياض أو القاهرة من النظام في عدن، الذي ظل صاحب خطاب عدائي متشدد ضد السعودية أو اتفاق السلام المنفرد لمصر. خلال اللقاءات والحوارات والجولات الحاسمة لتحقيق الوحدة وبافتراض طرف أو مؤثر خارجي ليس مع تحقق الوحدة لأي حسابات، فهل يتجه إلى الطرف الذي ظل أقرب إليه في المواقف والسياسات، أم يتجه إلى الطرف الذي يقدر أنه الأكثر تجاوباً واستجابات لمسعاه في عدم تحقيق الوحدة؟. قبل حرب 1994م وإثر توقيع ما عرف بوثيقة العهد والاتفاق وانتقال قادة الاشتراكي إلى عواصم الخليج فإن ذلك سبب انقلاباً شعبياً واسعاً لصالح الرئيس علي عبدالله صالح ليس من استجابات ضد الرجعية ولكن من تفاعلات وحدوية مع الوحدة. هذا يؤكد ان الاشتراكي ما كان بمقدوره سياسياً رفض الوحدة والانتقال لنظام حكم ظل يدينه ولتحالف مع جبهة وجبهات ظل أي شبه علاقة أو ارتباط بها أو حتى "فبركات" تبرر تصفيات ومحاكمات واعدامات للآلاف من أبناء الشعب. الانقلابات داخل نظام واحد في صنعاء والصراعات والحروب داخل نظام وبين اطراف حزب واحد في عدن، تجعل من الطبيعي حدوث خلاف داخل نظام مكون من نظامين غير فتح الأبواب للأحزاب والعلنية السياسية وللمنفيين في الخارج. ومثل هذه الخلافات تأتي واستجابات الصراعات الخارجية جاهزة وفي جاهزية لدعم الطرف الذي يسير في خطها وخطاها. هذا المسلك وأفعاله برأ علي عبدالله صالح ونظامه من التهمة التي ظل يوصم بها كتابع أو عميل للرجعية، ولكن ما جدوى هذه البراءة والتبرئة وقد اختفى العداء للرجعية اعلامياً وسياسياً وخفتت الاستجابات له في اليمن. الوصم بالتبعية للنظام في العراق أو صدام حسين لا تؤثر داخلياً وشعبياً، ولكنها كانت تهدف إلى التأثير سياسياً لدى الدولة الأعظم امريكا، وفي ظل جهود أخرى كبيرة ومركزة في هذا الاتجاه وبتعاون كبير ومنظم بين أطراف داخلية وخارجية تربط النظام في اليمن بالإرهاب أو تتهمه بإيواء الإرهابيين، ومن ذلك جاءت تلويحات واشتقاقات الأفغنة والصوملة خلال أزمات اليمن بعد تحقق الوحدة. وهكذا كأنما الاشتراكي انتقل من حاضنة الكرملين مع انهيار الشيوعية وعبر أطراف اقليمية إلى أحضان البيت الأبيض سعياً إلى الانفصال بزعم الإرهاب أو محاربة أخطاء نظام. مشترك هذه الصراعات داخلياً وخارجياً حتى بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع السعودية 2000م وأحداث سبتمبر 2001م وتغير العلاقات بين الأنظمة ايجابياً – ذلك المشترك – هو الحاضر في شكل وتشكل الصراعات الحالية ربطاً بالمغتربين وبعض أصحاب رأس المال. أمريكا التي عجزت عن تثبيت وضع استقرار أو وضع للنظام في افغانستانوالعراق والتي فشل تدخلها في الصومال، هي عاجزة من إعادة وضع اليمن إلى انفصال كما يريد طرف داخلي أو خارجي وإن هي أرادت كون واقع اليمن أكثر تعقيداً. من جانب فالصراعات والضغوط على واقع اليمن هي أقوى وأكثر بكثير مما جرى في الصومال، ولكن قوة التماسك أو عوامل أخرى واعية أو لا واعية هي ما حال دون الصوملة في اليمن. في واقع المنطقة والوضع الدولي الراهن لم يعد من طرف داخلي أو خارجي يستطيع الاستفادة من حالة أفغنة أو صوملة في اليمن إلا بقدر ما تصبح الاستفادة من وضع كامل الافلاس للصراعات ووصول شحنائها إلى حقد يتمنى تدميراً لزوال نعمة متوفرة بأي قدر والوصول إلى "اللا نظام". منذ تحقق الوحدة فالذي يمارس ليس كشف وتعرية أخطاء النظام في اليمن وليس الاختلاف مع خطه أو أخطائه، والممارس لأهداف مسبقة ومبيتة هو وعي وأفعال صراعات داخلياً وخارجياً، لا زالت تتمحور حول استهداف الوحدة. كل ما جرى منذ تحقق الوحدة حتى الآن بات يؤكد هذا واقعاً ووقائع فوق أي التباس للنظر ولأي ناظر. لذلك ربما فقدنا الثقة في التعاطي السياسي الاعلامي بأي قدر من الهدوء أو بتهدئة وتطمينات، وننتظر الأفعال لتؤكد التطور الايجابي أو التطوير السلبي للصراع!.