"المهمشون في الأحزاب".. عنوان عريض لمجاميع كبيرة من القيادات والناشطين في المراكز الوسطى وقواعد الأحزاب اليمنية بلا استثناء. اضطهاد هؤلاء من القيادات العليا في أحزابهم، لا يعود لأسباب تتعلق بأوضاع أولئك الساسة المهمشين الاجتماعية أو الاقتصادية، وإنما لأسباب سلوكية لدى القيادات الحزبية العليا، غلب عليها طابع الانتهازية والاستغلال والمصالح الشخصية، بعيداً عن أيديولوجيات أحزابهم ومبادئها السياسية والفكرية التي آمن بها أولئك المهمشون.. تجد أولئك يعملون بجهد كبير مع أحزابهم، انطلاقاً من إيمانهم بمبادئ تلك الأحزاب ونظرياتها الأيديولوجية.. يعملون بصمت وإخلاص وأغلبهم في فروع الأحزاب في المحافظات والمديريات ويبرز دورهم بشكل كبير في أكثر من موقع وخلال الحملات والمهرجانات الانتخابية في الاستحقاقات الديمقراطية المختلفة.. حيث تعتمد عليهم أحزابهم اعتماداً كبيراً في حشد تأييد جمهور منتسبيها وإقناع المناصرين للحزب بالتصويت لمرشحيه وكذا إقناع الغير مؤطرين حزبيا من المستقلين من عامة الناس والذين يشكلون الكعكة الكبرى من الناخبين والتي تتنافس على اقتطاعها كافة الأحزاب. هؤلاء المهمشون "نعني المغضوب عليهم في غير حزب" يعملون بإخلاص ولا يجدون الوقت للمجاملات والتملق لقياداتهم العليا، الأمر الذي اوجد بيئة خصبة للانتهازيين الذين يجيرون الجهود الكبيرة لتلك الكوادر لصالحهم ويحظون برضى واهتمام القيادات العليا التي تكافئهم بتعيينهم في مناصب قيادية "إدارية وحزبية" ليفاجأ أولئك المهمشون وقد صاروا تحت إمرة أشخاص لم يكونوا قد انضموا إلى أحزابهم إلا منذ وقت قريب "أو هم لا يستحقون الموقع لعدم أهليتهم"، وحينئذ لا يملكون سوى الصمت ومكابدة آلام الجحود والنكران من قياداتهم العليا والاستمرار في مسلسل هضمهم في حقوقهم المادية والتنظيمية. وبنظرة سريعة على الأوضاع التنظيمية في الحزب الحاكم، يشير عدد من المحللين السياسيين إلى أن "المؤتمر" لا يمتلك آلية واضحة لمعايير وشروط التسلسل القيادي، بل تحول إلى "إسفنجة" ماصّة لعدد من الكفاءات التنظيمية في الأحزاب الأخرى على حساب كثير من منتسبيه والذين لا يقلون كفاءة عمن يتم استقطابهم من الأحزاب الأخرى. والأمر لا يختلف كثيرا في أحزاب المعارضة وفي مقدمتها أحزاب تجمع الإصلاح والاشتراكي والأحزاب الناصرية والبعثية.. ولعل أبرز مظهر من مظاهر تهميش قياداتها الوسطية والقاعدية "علاوة على هضمهم مادياً" هو عدم تجديد مراكزها القيادية الهامة بعناصر جديدة من كفاءاتها الشابة، وما أكثرها، وهو ما تطرق إليه العديد من الباحثين والمتخصصين الأمر الذي أصاب الكثير من تلك الكفاءات الفاعلة باليأس والإحباط وبالتالي الابتعاد عن النشاط الحزبي وفي مقدمة تلك الكفاءات الصحفيون المنتسبون إلى تلك الأحزاب الذين تركوا العمل في صحف أحزابهم وانتقلوا للعمل في صحف ومواقع خارجية أو اتخذوا لأنفسهم منبرا أو مسارا أو لزموا الصمت غبنا!!؟ أما ما يسمى بأحزاب المجلس الوطني للمعارضة فحدث ولا حرج.. حيث يعتبر عدد من المتخصصين في الشأن السياسي معظمها لا غدوا اكثر من أحزاب "كرتونية" هشة تتخذ الطابع العائلي بعيدا عن أية أيديولوجيات أو تأثير في الساحة السياسية. جميع الأحزاب (وفق رؤية العديد) صارت بحاجة ماسة اليوم لتقييم عادل لكوادرها وفق آليات منظمة وبحاجة أيضا لإصلاح مسارها التنظيمي والقيادي. إن قراءة سريعة للخطوط الممتدة نحو المستقبل المنظور ومن خلال معطيات استقرأها الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ممارسات تلك الأحزاب تجاه ما يسمى بالمهمشين سوف تنعكس سلبا على مستقبل الأحزاب أولا والعمل السياسي ثانيا في بداية التسعينات أبرزها انشقاقات وظهور كنتونات حزبية جديدة ستكون وبالا على الوطن ونهجه الديمقراطي.