التناقض الأكثر تعقيدا الذي يعاني منه الحزب الإسلاموي الذي يعمل من أجل السيطرة على الدولة بهدف تحكيم الشريعة؛ أن مشروع الحزب الذي يبدو مثاليا يوظف لصالح أقلية مهيمنة، وهي نخبة متماسكة تجمعها مصالح وطموحات خاصة وعامة، أي أن الإسلام السياسي يحول الدين إلى أيديولوجيا لتحقيق مصالح أقليات قوية مهتمة بمصالحها الدنيوية، مثلها مثل غيرها من القوى المتكتلة في تكوينات سياسية. وتوظيف الدين في الصراع على موارد الدولة والمجتمع يشكل تهديداً كبيراً للإسلام لأنه يفجر صراعات حول معناه وتفسيره، ناهيك عن توظيف قيمه بطريقة انتهازية تفقده حيويته وطبيعته. ومن يتابع الإسلام السياسي وواقعه سيجد أن الشريعة تحولت إلى شعار يتم فهمه من خلال الأيديولوجيا التي كونها أثناء صراعاته من أجل تحصيل القوة، فالأصولي المحترف للعمل السياسي والذي تربى في خلية حزبية يتشكل وعيه وفق المنهج الحزبي الذي تربى عليه، فتصبح الأيديولوجيا الأصولية هي الدين وأي تفسير للدين لا ينسجم معها يتم رفضه ونفيه. وتزداد تناقضات الأيديولوجيا الإسلاموية مع الواقع أن الفرد المؤطر في بنية الحزب المعبر عنها كلما غرق في النضال السياسي وصراعات المصالح تنمو لديه طموحات انتهازية، وتتطور الانتهازية كلما زادت الرتبة الحزبية. قد تبدو ملامح الطهارة هي العنوان البارز إلا أن هكذا أدعاء على مستوى الخطاب يمثل ضرورة من أجل التخفي وتحويل الطهر إلى حجاب لستر تناقضات الهدف مع القيمة الدينية ووظيفتها. وما يقوي من مصالح الأقلية المهيمنة على الحزب ويمكن الأنانية من التحكم بالنشاط أن التربية التنظيمية تعلي من قيمة قيادات التنظيم وتجعل طاعتهم قداسة دينية، وهذا الآمر بفعل طبيعة التركيبة والهدف عادة، ما يساعد المنافق والانتهازي والأكثر قدرة على قبول التناقض بين المثال والواقع، من التحكم بمسارات البنية التنظيمية وحركتها لتحقيق مصالح من يتحكم فيها من مراكز القوى. وغالبا ما يتحول الصادقون التائهون في طوبى الأيديولوجيا إلى دعاة لا يكلون ولا يملون، وما يجعلهم مخلصين أن قوى المصالح تعزلهم عن واقع المصالح وتزيف وعيهم وتوظف طاقتهم في تقوية التنظيم وتدعيم دعوته وتزيينها للناس، وفي الوقت نفسه تشبع الرغبات المادية لهؤلاء من خلال شبكات تمويل متعددة تتحكم بها نخبة الحزب، والأكثر صدقا أن من يتم خداعه من الجمهور هم وقود المعارك المحترفة التي يديرها الحزب للسيطرة على الدولة والمجتمع.