الواقعية الكبيرة والحكمة البليغة في أنموذج اليمن للحلول السياسية! خطابات الشرق والغرب الثورية لقرن اختزلت في محطة 2011م لنا التأمل في محطة 2011م وما عرف ب"الثورات السلمية" بتركيز وتدقيق في مركزتها ومركزيتها كأطراف وخلاف، ولنا استخلاص الفوارق والمفارقات الأهم بين حالة وأخرى. - حالة تونس استثنائية في حقيقة أنها محسومة مسبقاً بقرار مبكر ومنذ 1989م للهروب، وهذا القرار كان الحاسم أكثر من الحسم الثوري كما يطرح. - في حالة مصر سنجد أنه لم تخرج شعبية يعتد بها وتمثل مستوى من التوازن مع الاصطفاف والشعبية المضادة، وغير ذلك فالموقف الذي سارت فيه القوات المسلحة قدم ما يمكن أن يكون الحل السياسي التوافقي الشعبي والسياسي. - في حالتي ليبيا وسوريا إذا كان الطبيعي والمتوقع أن الشعبية التي تخرج مع النظام تطالب باستمراره وترفض التغيير، فإن علينا التوقف عند نقطتين: * الأولى: أنه لم يحس بأنه سمح أو أتيح للشعبية والاصطفاف المعارض "الثورة" ممارسة الاعتصامات والمظاهرات السلمية بشكل طبيعي، بحيث حتى لو جاء عنف من هذا الطرف أو الآخر فيكون استثنائياً كما في حالة اليمن. * الثانية: أن كلا النظامين لم يستجب أو يتجاوب مع التغيير إلى مستوى استعداء أو التزام الحاكم بالرحيل وعدم الترشيح في حالة موافقة الطرف الآخر على تغيير وتسليم للسلطة سلمياً وديمقراطياً. العقيد القذافي هو أقدم حاكم عربي ومع ذلك لم يوافق أو يقدم من جانبه مشروع حل سلمي يرتكز على تسليم السلطة وعدم ترشيح نفسه. إذا فالمتابع بأفق واسع يستوعب الأبعاد والمفارقات له تصور حدوث هذه الثورات في كل البلدان العربية، ومن ثم أفضل الحلول لواقع هذه البلدان وواقع كل بلد كثورات أو كأزمات إن جاءت الثورات من الأزمات أو الأزمات من الثورات. علينا التسليم بأنه حتى لو كانت الأرضية الخارجية هي قوة الثورات وذات التأثير الأقوى، فالأرضية الداخلية تظل الأساس الذي لا يستطاع إنكاره ولا نفيه ومهما كانت نسبتها أو نسبيتها. ومقابل ذلك فالثورات السلمية من فهمها أو مفهومها هي ثورات وعي وواقعية ومن أجل الواقع، وهي بالتالي لا تستطيع إنكار واقع ولا نفيه في اصطفاف آخر أو مع الآخر، ولذلك كان عليها أن تضع التغيير بالحلول السياسية في حسبانها وبين أساسياتها. مع الأسف فطرح مرادفة للثورة السلمية مثل "الهبة الشعبية" تؤكد أن الغرب في تصميم سيناريو هذه الثورات، إما أنه غير واقعي مع واقع هذه البلدان وواقع كل بلد أو أنه قدرها أو أرادها هبة أسلمة وإخوانية كما الحالة الخمينية في إيران أو زحف طالبان من باكستان لإسقاط النظام في أفغانستان. فالغرب يكون قد حسم مسألتي الرحيل والبديل، حيث الإخوان أو الإسلاميون سيستلمون السلطة إما بالمباشرة كما الخميني وطالبان أو من خلال الانتخابات كما في حالتي تونس ومصر. لا يوجد نظام واحد حتى الآن أسقطته الهبة أو "الهباب" بالطريقة الخمينية أو الطالبانية بما في ذلك حالة تونس، وهذا يؤكد الحاجية أكثر للحلول السياسية بقدر ما يتوفر وعي وواقعية لاصطفاف طرفي الصراع أو حين الوصول إلى واقعية الاضطرار لمثل هذه الحلول الواعية والواقعية، كأنما الأنموذج اليمني يقدم الحلول المثالية والواقعية للأرضية الداخلية أو الخارجية وللثورة واصطفافها وللواقع وأولوياته. وإذا افترضنا الثورات في كل البلدان فالأنموذج اليمني يمثل الحل العام المثالي والواقعي، لأنه لا أحد يتصور أن كل الحكام سيهربون كما "بن علي"، وحتى مع افتراض هذا المستبعد فلن تقبل ولن تنجح معالجات كما في حالة تونس الاستثنائية. والرئيس علي عبدالله صالح قد رحل بانتخابات 21 فبراير 2011م، فإنه لا ضير ولا ضرر بالنسبة لي من وصم أو توصيف خلال الأزمة بالدفاع عن النظام أو الاصطفاف مع النظام. خياري المبكر والواعي كان مع أو من أجل الحل السياسي الواقعي الذي وصلنا إليه، ووصم أو توصيف الآخر لشخصي أو موقفي هي وجهة نظر له احترمها ولكنها تعنيه ولا تعنيني أو تعيبني. إنني ومن قبل تقديم الرئيس علي عبدالله صالح ما أراه مشروع رحيل في ابريل من العام الماضي كانتخابات مبكرة كنت مع رحيل الرئيس، ولكنه كان على الاصطفاف من أجل الواقع والدفاع عن الواقعية والواقع، ومن أراد فهم غير ذلك فله ذلك في إطار الرأي والرأي الآخر. لا يمثل هذا أي تغيير في موقفي ولا علاقة بين رؤيتي مبكراً للرحيل كجزء من حل للواقع والبلد وبين استمراري في شدة الإعجاب بشخصية علي عبدالله صالح إلى مستوى من التشيع واستعداد للدفاع عن ميزات ومميزات وأفضليات وإنجازات حققها وتحققت في عهده. في ظل ثورات الشرق القومية والأممية وحتى في بدايات ثورات الغرب كأسلمة في إيران وجهاد إسلامي في أفغانستان، فتقاطعات الصراع العالمي كشرق وغرب من ناحية وعدم وجود فضائيات وبث فضائي أو تقنية الإعلام كوضع وتموضع ثم وضع وتموضع العالم، أوجدت حالة صراع بين خطاب ثوري وآخر أو شوشت وأثرت على الخطاب الثوري، ثم إن أغلبية الجيل الحالي "الشباب" لم يعيشوا تلك المحطات ولم يعرفوا عن خطابها التثويري والثوري. محطة الثورات السلمية بالنسبة لي هي اختزال وتلخيص لخطاب الثورات والتثوير في كل محطات الشرق والغرب السابقة، ولهذا فمحطة الثورات السلمية هي اختزال وتلخيص الخطابات الثورية في قرن لتقدم لقرن جديد وأجياله، والفارق أن الخطاب الأممي للاتحاد السوفيتي يقدم للعالم أو يستهدف العالم، فيما خطاب محطة الثورات السلمية يستهدف منطقة أو بلدان من منطقة حتى الآن، فيما الخطاب هو ذاته كثورية أو تثوير. في تقديري وتفكيري من فرضية وعيي وواقعيتي وحيث باتت الثورات السلمية غير الحالة الإيرانية والطالبانية، فتتسبب في أزمات وتصل إلى مأزق، فإنه في حالة أو حالات يقبل النظام فيها بالتغيير باشتراط الحلول السلمية أو الديمقراطية فذلك أفضل وأفضلية للثورات كأطراف أو اصطفاف. ولو كانت أهداف الغرب في محطة 2011م أو الثورات السلمية تنحصر في الديمقراطية أو الحداثة والدولة المدنية، فمثل هذا القبول والتجاوب من نظام أو أنظمة هو الأفضل للسير إلى المراد بما يمتلكه الغرب من قدرات التفعيل أو حتى التفصيل تحت سقف هذه الأهداف، لكنه إذا كانت هذه المحطة والثورات ترتبط بطرح وخطاب الرئيس الأمريكي "أوباما" من القاهرة لتحسين العلاقة مع العالم الإسلامي، أو لتحقيق فهم ومفهوم طرحه "الإسلاميون صمام الأمان في الشرق الأوسط"، فالأفضلية للتغيير كوسيلة تأتي من هذه الغائيات أو كأفضلية لها. لا النظام في اليمن مارس الإقصاء أو النفي والسحل والسجن والتعذيب للإخوان في عقد الحرب ضد الإرهاب، ولا الأنموذج اليمني في الحلحلة للأزمة فيه شيء من هذا، وحظوظ الإخوان تظل وفيرة أو كبيرة للفوز في انتخابات ما بعد الفترة الانتقالية، وبالتالي فالأنموذج اليمني استوعب ما هي –افتراضاً- توجهات للغرب كديمقراطية، وفي إطارها الأسلمة أو الحرب ضد الإرهاب.. والملاءمة لواقع أو التواؤم مع أي واقع هو شرط الواقعية والوعي تجاه أي تشريع أو مشروع. اليمن لم تكن في أي مرحلة أو محطة بحاجة إلى فكر أو إلى تغيير أو تجديد في فكر ولكنها ظلت ولا زالت بحاجة إلى التفكير الواعي والواقعي وإلى تغيير في التفكير بما يجعل الواقعية أساس التفكير والوعي أفقه وسقفه وهذا يعني الأنظمة والمعارضات أو الأنظمة والثورات على حد سواء. اليمن وصلت إلى شروع أو مشروع أفضلية إذا ما رست أطراف وأثقال التأثير الواقعية وأفق واستيعاب الوعي أيا كانت خياراتها وفلسفتها أو برامجها كأحزاب سياسية، وبدون ذلك يظل كل وأي شيء وارداً ومتوقعاً.