إذا الاستعمار البريطاني استطاع تقسيم شطر من اليمن إلى سلطنات فهل جاء نجاحه من استجابات في الواقع لهذا التجزيء أم لأنه اتبع سياية"فرق تسد"؟!!. بدون وجود استجابات لذلك ماكانت بريطانيا لتنجح،وبدون حاجية بريطانية لذلك ماكان ذلك ليحدث ويصبح هو الواقع... في محطة 2011م بدون أرضية داخلية تمثل استجابات لما تسمى "ثورات" ما كان لأميركا والغرب النجاح وصنع ثورات، ولكن بدون دعم وإسناد أميركا والغرب السياسي الإعلامي والمادي وتفعيل نفوذها في المنطقة مع ذلك ما كانت ثورات ستحدث وإن حدثت ما كانت لتنجح. نقطة الخلاف الثورية مع اصطفاف الثورات كانت حول الشعبية.. والبداهة تؤكد أنه لم تصل ثورة من محطة 2011م إلى شعبية الثورة السلمية في إيران أو لاحقاً في اندونيسيا، فيما محطة 2011م كأنما يكفيها عشرات الآلاف لإظهارهم بالملايين من أجل إسقاط حكام وأنظمة والشروع فيما تسمى "فوضى خلاقة" قد تدفع واقع مثل اليمن إلى أسوأ من الصومال. لم يدفع بفشل ثورة في بلد مثل اليمن في الوصول إلى الحد الأدنى من الشعبية لرفض أنها ثورة أو لرفض التغيير في المحاججة والطرح، وإنما لمنع اقتتال أهلي وتجنب "صوملة". إذا نظام الوصاية الذي تعاطت به الأممالمتحدة في القرن الماضي بعد رحيل الاستعمار القديم، فذلك يشهد ويؤكد احتمال حدوث هذا حين تغيير نظام في ظل صراعات لا تتوافق على بديل. شاه إيران كان شرطي الغرب في المنطقة ومع ذلك فالغرب دعم تثوير الخميني من باريس لأسبابه وأهدافه، ولذلك فالأسهل لأميركا والغرب أن تكون البداية تجاه حاكم هو غربي في بلاده كما "بن علي" في تونس، ثم من خلال ترتيبات لحل سياسي من خلال مشهد الثورة في مصر وأطرافه، وسهل ذلك توغل الغرب في مفاصل الحياة ومفاصل القوة والأقوياء في واقع مصر. فكلما انتقل إلى بلدان أخرى صعب الحل في ظل عدم أهلية ثورات محطة 2011م شعبيا أصلا لما يسمى "الحسم الثوري"، فإن لم يحسم الوضع بتمرد معد له في بنغازي فبتدخل "النيتو"، وإن صعب ذلك فبالجهاديين و"القاعدة". الثورة السلمية الإيرانية دعم الغرب فقط تثوير زعيمها الخميني من باريس ولم يدعمها سياسياً وإعلامياً ولا مادياً وتمويلاً باستعمال نفوذه في المنطقة كما محطة 2011م وثورتها، ومع ذلك ظللت أطالب الخميني وحتى النظام الإيراني بأن يجعل من دعم الغرب لثورة الخميني علامة استفهام للاحتراز في ظل شعبية لا يستطيع أن يقف أمامها شاه ولا حاكم عربي، أو في العالم وإجماع الشارع الإيراني على الخميني كبديل اكتملت به الثورة السلمية ووصلت إلى أهلية الحسم الثوري. مسألة أنه عليَّ التخلي عن عقلي وتفكيري في انتمائي الواقعي الوطني وأن أسير إلى مشاهد اقتتال ودمار لبلدي تتراءى أمامي من تموضع الواقع صراعياً لأن هذه ثورة ومحطة ثورات، فذلك ما يستحيل علي القبول به كوعي وواقعية وانتماء. مهما كانت دوافع إخلاصية أو مصالحية في اصطفاف مع النظام والرئيس السابق صالح فإنه لو لم يكن في واقع اليمن ما هو أدعى للسير في ذلك الاصطفاف، فمجرد الإعلان المبكر عن قبوله بالرحيل كان كفيلاً بخلخلة ذلك الاصطفاف وضعضعته في ظل حرب إعلامية شرسة وقوية التأثير وهي الأقوى من الخارج غير الداخل. الذي لم يركز عليه في طغيان التعاطي الممنهج والممركز صراعياً أنه نشأ في اليمن اصطفاف أغلبية أكبر من اصطفاف النظام والمعارضة "الثورة"، هو اصطفاف للواقع أو للدفاع عن الواقع من مخاطر ما عرف في اليمن كاستثنائية وفي ظل صراعات استثنائية وصلت للذروة في اليمن قبل محطة 2011م. الرئيس السابق صالح كان الأذكى في استقطاب هذه الشعبية حين رجم مبكراً بورقة الرحيل كاستعداد أو مشروع، وبات مطلبه حلاً سياسياً يجنب الواقع الصراع ولتجنب اقتتال وحروب أهلية. واقعية خياره أو قبوله بالرحيل وواقعية طرحه مع الواقع وعن مخاطر بات الواقع يراها وينتظرها مارست تخليق أرضية واقعية ومن خلال المحطة لتلاحم شعبي صميمي يدافع عن الواقع، وإذا صالح بات يناور ويفاوض من هذه الأرضية فهذه الشعبية ترى أنه لا قدرة لها على مناورة ومفاوضة من أجل الواقع إلا بالنظام ومن خلاله، لأن المناورة والتفاوض للوصول إلى معلوم هو أفضل وأفضلية من السير إلى مجهول تؤكد شواهده بوضوح أبشع دموية وأشنع دمار. منذ بداية محطة 2011م أتابع في الفضائيات وفي الواقع شبانا وفتية طيبين يحلمون بجنة الدنيا كما حلم المجاهدون في أفغانستان بجنة الآخرة. هؤلاء فخورون بثورتهم وثوريتهم ولا يستحقون حتى أن يصدمهم المرء بأنهم ليسوا ثوريين أو ليست ثورتهم ثورة غير ما يتصل بها ويلتحم كمحطة أميركية غربية. صدام حسين وقع ليس في أخطاء ولكن في خطايا اللا عمد واللا وعي، ومع ذلك لماذا نحمله كل المسؤولية ولا نحمل أميركا مسؤولية أنها غزت العراق خارج الشرعية الدولية، وأنه لم يثبت وجود أسلحة دمار شامل وذلك ما بررت به الغزو؟!!. إنني لم أعرف أن صدام حسين أبو الديكتاتوريات إلا حين جاءت أم المعارك، والصدمة أن اكتشف خلال محطة 2011م أن مبارك مصر أشنع منه لديكتاتورية، ولهذا فإنني أضع أخطاء حكام أو أنظمة جانباً وأتعاطى التغيير قضية الواقع وحسب وضع كل واقع بوجهيها الرحيل والبديل، بل إن البديل في بعض البلدان هو القضية الأهم وإن وفرت أو رتبت فالرحيل ليس مشكلة. إذا الإخوان مارسوا تثويراً من خلال مدارس في مسيرة ثورية لتغيير وإقصاء مدير مدرسة الكويت بالعاصمة وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية، فذلك يقدم واقعية صراع أكثر من التمزيق إلى سلطنات، ولو قبل المجتمع الدولي بحارات كدول لأصبحت كل حارة في العاصمة دولة، ألا يثير هذا القلق الوطني باستحقاق واقعية ووعي الانتماء الوطني؟!!.. لم يكن وليس لدي ثقافة عداء أو كراهية ضد أميركا وليست ضرورة ولا من الضروري أن يكون لدي ثقافة ولاء وموالاة لها وهي القوة الأعظم وحتى لو سادت العالم وباتت سيدته بلا منازع. سأظل ملتزماً في واقعيتي ووعيي بانتمائي لوطني أولا ثم للأمة العربية والإسلامية بما يستطاع سلميا، وواجبي بسقف مراعاة مصالح اليمن أو التعامل الواقعي مع وضع المنطقة أو العالم. ولست من يندفع في تثوير أو ثورة أو يدافع عن طرف إلا من هذا الارتباط الواقعي والوعيوي والإيماني بالوطن والأمة وبالإنسانية أو البشرية، وحين تفقد معايير الواقعية والوعي بل وبداهات الفهم.. فلله في خلقه شؤون!.