كان يطرح عن مصر وفي نطاق سياسي محدود داخل مصر وخارجها خلال العقد الثالث لحكم الرئيس السابق مبارك، بأنها كانت تحكم بخمسة أجهزة أمنية. حين فترة ما تسمى "الثورة" في مصر أو حتى بعد رحيل مبارك فالتعاطي مع مثل هذا الموضوع يتصل بأهداف من يمارسون التعاطي أو يوجهون بتفعيله. فقد يكون التعاطي من أجل التثوير وتقوية اصطفاف وزخم الثورة، وقد يكون موقفاً مع الثورة وقد يكون لاستهداف الحاكم حتى بعد رحيله وفي إطار أهداف أو غايات أخرى ولآخرين. الرئيس القادم والمنتخب لمصر يحتاج إلى دورة رئاسية أو نصفها على الأقل ليرتب آلية جديدة أو لينجح بالحد الأدنى في تفعيل الآلية العامة المفترضة أو المعروفة. عندما جاء الرئيس بوش الابن إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة، فهو لم يشن حرب غزو أفغانستان كمجرد رد فعل تجاه أحداث سبتمبر 2001م، ولكنه شن حربا كانت الآلية المؤسسية أعدت لها واستعدت، ومع ذلك فإذا هو شن الحرب كرد فعل على أحداث سبتمبر 2001م- كما يفهم من الظاهر- فهو مارس الغزو للعراق بناء على تقارير مخابراتية، ومع ذلك لم يثبت وجود أسلحة دمار شامل في العراق كما أكدت تلك التقارير. الآلية السرية لأي نظام أو حكم هي الأهم من الظاهرة أو المعلنة حتى في أغنى الديمقراطيات، وبالتالي فنحن بصدد حاجية حيوية لهذه الآلية ذات توافق مع الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وليس التي تتقاطع مع هذه الاستحقاقات والحقوق وتعطلها أو تصادرها. حتى في ظل حدوث تجاوزات في عهد حاكم فنحن بحاجة لمنع هذه المخالفات أو التجاوزات، ولكنه لا يستغنى عن هذه الآلية كحاجية حياة للوطن أو حيوية للواقع؛ لأن علينا أن نحمي الوطن ومن خلاله الديمقراطية والحريات والحقوق، لا أن نرفع شعارات وتنظير حماية الحقوق من خلال تدمير أرضية هذه الحقوق كوطن. حين مجيء الدكتور سميع وزيراً للكهرباء أحس بالحاجية إلى عمل أمني بكل الوسائل لمنع الاعتداء على محطات وخطوط الكهرباء، ولكنه قبل الوصول لموقع المسؤولية ظل يطرح أن قطع الكهرباء عقاب جماعي من قبل النظام تجاه الشعب، وكأنه لا حل إلا أن يؤتى بكل القيادات المعارضة لمنصب الوزير لتعي أو لتمارس وعي المسؤولية. إذا هذه الحالة تقدم تموضع وزير كمعارض قبلاً ثم وضعه كوزير وكمسؤولين، فلنا تصور مجيء رئيس منتخب في ظل تفعيل أسوأ صراعات التطرف سياسياً وواقعياً!!. إنني حقيقة من الذين ظلوا ينتقدون الرئيس المصري السابق مبارك فيما يتصل باليمن من محطات وقضايا أو في التعامل مع القضايا العربية، والرئيس السابق علي عبدالله صالح يعرف أن أول توقيف لي من الكتابة في صحيفة "الثورة" ارتبط بهذا وأثناء مؤتمر قمة إسلامي بالدوحة. لكنه وقد رحل "مبارك" فالأهم بات ما يتصل بتفعيل وقيم المستقبل، فحتى لو كان دور القوات المسلحة إيجابياً كبديل انتقال وكحل توافقي لواقع مصر، فأن تظهر قوات مسلحة لا تتبع موقف قائدها الأعلى هو تدمير أو تمييع لقيمة وطنية، بل هي الأهم في حياة ولحياة الأوطان. حقيقةً وواقعياً فليس ضغط الشعب كثورة ولا ضغوط الخارج في محطة تسمى "ثورات سلمية" هي التي أجبرت مبارك على التنحي، وإنما القوات المسلحة هي التي وضعته بين خيار أن يتنحى أو تنحيه. إذاً فالقوات المسلحة كانت قادرة على تفعيل ضغوط منع أو معالجة أخطاء الحاكم كقائد أعلى لها، وكان الأشرف أن تنقلب عليه من مشهد ولاء له وموالاة، وهي في ذات الوقت لا تطيع أو ترفض أو أوامره كقائد أعلى!. لا يستطيع النظام أو الإدارة الأميركية إلا الاعتراف بأن دفع الجيش الأميركي للحرب في فيتنام كان خطيئة ضحيته 150 ألف أميركي وأذل هزيمة لأميركا في تاريخها. إذا رد الفعل ألا يطيع الجيش أوامر قائده الأعلى ويرفض الأفراد أوامر القائد، والشعب يقوم بإسقاط النظام وتدمير آليته ومؤسسيته، فماذا كانت أميركا الآن؟!!. الإدارات المعارضة لتلك الإدارة الأميركية وجاءت بعدها ظلت تلاحق وتحاكم من تهربوا من الخدمة في فيتنام، ومنهم الملاكم العالمي المسلم والمشهور محمد علي كلاي. إذاً على الأنظمة أن تتعلم من أميركا أو غيرها الدروس في الديمقراطية، فعلى المعارضات وقبل ذلك أن تتعلم من أميركا الدروس في الوطنية والانتماء للوطن كوعي وواقعية. في حالتي تونس ومصر كنت أتابع وأسمع ما هو دافع للبكاء حتى الضحك أو للضحك حتى البكاء على طريقة "الجيش أنشئ تنشئة وطنية"، وهكذا أصبحت التنشئة الوطنية لا حقيقة أو لا تتحقق إلا حين تمنحها أثقال "العولمة" في محطة شهادة المنشأ كما السلع التي تباع وتشترى في الأسواق. إننا ومنذ رحيله لم نعرف أين ذهب وأين هو وكيف انتهى محمد سياد بري رئيس الصومال؟! ولكن الذي نعرفه هو واقع الفوضى والدمار واللا نظام والعنف والتمزيق الذي يعيشه الوطن الصومال وللعقد الثالث على التوالي. إننا لم نكن مع بقاء أو ضد رحيل بري الصومال حين رحل، ونحن بالتأكيد لا ندافع عنه وقد رحل، ولكننا ندافع عن حق للصومال كوطن واستحقاق لواقع الصومال بأن يظل قبل أو بعد الرحيل بالحد الأدنى من بنية نظام وحياة وطن ومواطنة. إذا إعلام أو أثقال في اصطفاف نظام كما حالة علي عبدالله صالح أو غيره طرحت أو ظلت تطرح أنه أفضل نظام في العالم ديمقراطيا، وإذا الاصطفاف المقابل كمعارضة أو ثورة يطرح أنه أسوأ نظام ديكتاتوري، فالنظام ليس هو كما التطرف في مدحه أو التطرف في قدحه. محطة الثورات السلمية في ظل تفعيلها كحزمة تطرح أسئلة بمثابة القضايا، ولكن المحطة التي تطرح انها جاءت من أجل الديمقراطية هي في التفعيل شمولية تمارس الاقصاء الكامل، ليس فقط للآخر والرأي الآخر ولكن حتى لوقائع وحقائق واستحقاق واقع أوطان ومجتمعات. إننا لا نطرق محذوراً نعيه حين طرح أسئلة من نوع: لماذا الشعوب في الجمهوريات تريد الديمقراطية والحقوق والحريات، والشعوب في الملكيات لا تريد ديمقراطية ولا حقوقاً ولا حريات؟!!. الاستفادة ستكون أفضل وأكثر إذا قارنا الأنظمة التي قامت ضدها الثورات ومن أرضية كل واقعها.. فمن هو أفضلها في نسبة الديمقراطية أو اسوأها في وحشية وسقف القمع؟!!.. ومن هو أفضلها في السماح للاعتصامات والمظاهرات السلمية ومن هو أكثر أو أخف عنفاً؟!!.. وبالمقابل أسئلة من هي أكثر أو أقل المعارضات عنفاً أو سلمية ونحوها؟!!. ما دامت محطة الثورات السلمية بإعلامها الفضائي الفضفاض لا تريد هذا التفكيك للواقع والواقع لافادة الوعي، فذلك كأنما يؤكد ان تغيير الحكام تحت عنوان المحطة هي خيارات وقرارات لأثقال دولية تستفيد من أي استجابات تثوير في أي واقع لتنفيذها كما الاستفادة من استجابات تثوير الجهاد في حروب افغانستان. لا وطنيتنا ولا قوميتنا ولا عقيدتنا تحتاج شهادة تنشئة أو شهادة منشأ من هذه المحطة أو غيرها، والقوات المسلحة لا يمارس فورية هيكلة قيمها لحاجية محطة كما في تونس ومصر، كما ان هيكلتها في اليمن ستصوب وتعالج ما هي أخطاء واقعيا، ولا يستطيع المؤتمر كطرف أو غيره الاعتراض ما دام ذلك يجسد الوطنية ومعاييرها وواقعيتها، ولكن الهيكلة لن تكون الاضعاف والتدمير للمؤسسة العسكرية كما تريد أطراف صراعية داخلية ومن أجل الصراع، كما لن تكون التدمير أو التمييع للقيم العسكرية الوطنية الأساسية التي هي أساس الثوابت الوطنية وأساس الحماية للوطن. خمس ثورات في 2011م وينتظر المزيد فهل ستكون بعد عقد في معظمها بمستوى التمزيق مذهبيا وعرقيا في العراق أو بحالة من الصراع في افغانستان لديمقراطية؟!!.. حين نصبح في عام 2021م سنكون في صراعات أخرى ولا قيمة لمثل هذا الطرح وتساؤلاته أو الاستشراف وأي ربط له بالحاضر وقد أصبح من الماضي، وستظل الغلبة في الثورات للأثوار كمعطى لغلبة وتغليب الصراعات.