بقدر ما ينتسب اليمن الذي كان سعيداً ذات يوم إلى العرب، فإن العرب ينتسبون إليه جذراً تاريخياً وحضارياً، مما يجزم بأن سقوطه يتجاوز الحدث الواقعي إلى ما هو رمزي ووجداني . لهذا كانت الساعة السابعة بتوقيت واشنطن، الثانية عشرة بتوقيت هذه المنطقة، وقبيل انعقاد قمة شرم الشيخ بأقل من مئة ساعة، لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر، فالقمة التي انعقدت في الفضاء من خلال المقاتلات العربيات استبقت القمة الأرضية، وكانت إشارة أولى لتشكيل جيش عربي موحد، فالأمة الآن كلها في خطر، ولعاب الطامعين بهذه الجغرافيا المقدسة يسيل على كل التخوم، وكأن العرب أصبحوا في مهب عواصف التقسيم والتحويل إلى غنائم، لكن ما حدث وما سوف يحدث في المدى المنظور هو أنه للعرب عواصفهم أيضاً، ولهم دفاعاتهم في اللحظة الحاسمة ليبلغوا العالم بأسره أنهم لم يغادروا التاريخ وأنهم ليسوا عالقين بهذه الجغرافيا الرسولية، بل هم توأم كل حبة رمل فيها وكل قطرة ماء من خليجهم إلى محيطهم . إن اجتياز هذا الاختبار الوجودي والقومي ليس ميسوراً لمن يحلمون فقط وأعينهم مفتوحة، بل لمن شملتهم جدارة الوجود بامتياز يليق بهم تاريخاً وعقيدة قتالية ووجوداً يمهر حتى الريح! اليمن الذي أفقدوه سعادته وأغرقوه في دمة وبثوا في كل قراه ومدنه وجباله الشقاء . لم يعد وحيداً، لهذا سمعنا من أهله وهم أهلنا ما ينبئ عن سعادة مطرزة بالشجن . شأن كل عربي نزف حتى أوشك على الرحيل، ثم سارع إخوته إليه بدمهم وأمدوه بما يتيح له استعادة العافية . فهل تدشن هذه اللحظة حقبة خضراء في تاريخنا المعاصر بحيث نصبح جميعنا يمنيين إذا كان اليمن في خطر، ومصريين إذا كانت مصر في خطر وخليجيين إذا كان الخليج في خطر؟ لقد كان العرب كلهم ذات يوم فلسطينيين لهذا فالذين استشهدوا على تلك الأرض يسهرون معاً، ويردد حفيف الزيتون لهجاتهم . هذه القمة التي كان اليمن عاصمتها الوجدانية، استبقت القمة السياسية بيومين، لكي تحول الآجل إلى عاجل والسقوط إلى نهوض، وتلك هي جدلية التاريخ والحياة، خصوصاً في تاريخ طالما حول الكبوات إلى رافعات وكسر خشب التابوت، ليحلق عالياً ويعلن للملأ أنه لم يمت وأن من أعلن النعي كان شاهد زور . هي إذاً قمة بدأت قبل موعدها وانعقدت في الفضاء، لهذا فإن ما يترتب عليها أبعد مما يتصور الكثيرون ممن أدمنوا القمم البروتوكولية ذات البيانات الممنوعة من الصرف . ومن قالوا إن كل الطرق تقود إلى صنعاء لم يخطئوا .