في موضوع سابق بعنوان "العيد والابتسامة المسجونة" تناولنا شيئًا من معاناة الشعوب المكلومة في الوطن الإسلامي، من خلال حديث وجداني في محاولة للإحساس بمعاناتهم، نريد اليوم أن نطلق سراح ابتسامتهم، من خلال مخاطبة العقل، وتأمل حقائق التاريخ، لأن تأملها يخفف المعاناة، ويمنح الصبر، ويطلق سراح الابتسامة، ولعل من تلك الحقائق ما يلي: 1- الدنيا ليست غاية خلق الإنسان، ولا مستقره الأخير، الرحيل عنها حقيقة لا ينكرها أحد، بغض النظر عن أي اعتبار آخر. 2- الدنيا ليست المقر المثالي الذي ينشده الإنسان، مُنغصاتها قضية حتمية على الجميع، أيضًا، بغض النظر عن أي اعتبار آخر. 3- "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" المعايير المادية التي يؤثر وجودها أو عدمها على حياة الإنسان، إيجابًا أو سلبًا، كلها تتقزم أمام القيم المرتكزة على التقوى، وهي معيار النجاة يوم الفصل. 4 – حرية الإنسان وكرامته، حقٌ لا يجوز التنازل عنه، أو التفريط به هكذا خلق الله الإنسان، وجعل الاعتداء عليه أو الانتقاص من آدميته جريمة، والموت في سبيل الدفاع عنهما شرفًا. 5- موت المظلوم مظلومًا، والظالم ظالمًا، ليس نهاية المشهد، بل دليل على وجود حياة أخرى تتحقق فيها عدالة السماء. 6- لا يمكن إبادة شعب، عجز التاريخ أن يُبرهن أن طاغية قدِر على إبادة شعب، وإن حاول استباق الأحداث، ذهب فرعون، وبقي بنو إسرائيل. 7- الحياة تتغلب على الموت، قتلى الحرب العالمية الأولى(37) مليونًا، والثانية (60) مليونًا، وهو ما يساوي 2.5% من سكان العالم حينها، فكم سكان العالم اليوم ؟!. 8- البناء الضخم، لا يقوم على أُسس هشة، الدمار المجنون ليس دليلًا على نهاية الأوطان، شهدت اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية بذلك، دمار اليابان لم يشمل الكائنات الحية فقط، بل تجاوزه إلى الجماد، نتائج القنبلة النووية، ما حل بألمانيا كان مهولًا، ومع ذلك فكلتا الدولتين اليوم، من رواد التقدم والازدهار في كافة المجالات. 9 – المستقبل للشعوب، وليس للحاكم المستبد، حرية الشعوب – إذا استوعبت الدرس – هي الغد، والمستبدون هم الأمس، الغد قادم، الأمس مضى، لا عودة للأمس. المكلومون بحاجة إلى تذكر هذه الحقائق للتخفيف من معاناتهم، وهنا سنكون أمام صنفين. الأول: رفض التخلي عن حريته وكرامته، وهو مستعدٌ لدفع الثمن مهما يكن، أصحاب هذا الفكر، لن يُصيبهم إلا ما تفرضه الطبيعة البشرية من ألم الصدمة، وفاجعة الواقعة، وهم أكثر قدرة على تجاوز الأحزان، وحين يتذكرون هذه الحقائق، لن يجدوا للابتسام في وجه معاناتهم مشقة. الثاني: الذين أقحموا أنفسهم في الصراع – مقاتلين أو مؤيدين، جهلًا، أو عاطفة، أو حمية،- فوقفوا مع الظلم والاستبداد للحصول على المادة، غير مدركين لقوانين المستبد (من يدفع، يأخذ المُقابل حياة، أو حرية، وكرامة المستلم). البعض فقط من هذا الصنف سيستفيد من هذه الحقائق، وهم الذين اكتشفوا قوانين الاستبداد. الذين لم يدركوا بعد تلك القوانين، هم الذين لن تنفعهم تلك الحقائق، بل ستزيدهم شعورًا بثقل التكلفة. وسيكتشفون لاحقًا فداحة الثمن المتوجب عليهم دفعه، أضف أنهم مع الصنف الأول يواجهون معاناة الأوضاع المعيشية المُزرية، إذًا: فخسارتهم مُضاعفة -حتى إن حصلوا على المادة- فسرعان ما ينتهي بريقها، ويبقى ثِقل تبعات ما أقحموا أنفسهم فيه. بعد فوات الأوان سيكتشفون أن الطيور تؤمن بأن الحرية أغلى من الخبز، لذلك تفر إذا اقتربت منها وبيدك الطعام. المشهد الأخير: أمام المعاناة المعيشية القاسية لهذه الشعوب: كلا الفريقين يدفع الثمن، غير أن الأول يعتبره ثمنًا للدفاع عن حريته وكرامته، فهل سيعتبره الثاني مكافأة استعباده ؟!. [email protected]