بعد أن كان هدف المساواة للجميع هو الهدف الذي تحاول الاقتصادات المختلفة بعد الحرب العالمية الثانية أن تنجزه بدرجة أو اخرى.أصبح بسبب الانتقال الى الاقتصاد الحر أو ما يعرف بالليبرالية الجديدة في سنة1979 نقطة تحول في تاريخ البشرية حيث بدأت فيها, ما أشرنا إليه قبل أسبوعين, عملية السيطرة الصامتة من قبل الشركات الاحتكارية الكبرى والبورصات المالية تحت غطاء المؤسسات الدولية الاقتصادية لتمرير سياسات الليبرالية الجديدة التي تقوم على اقتصاد السوق الحر بزيادة الخصخصة. حيث إطلاق حركة رجال المال والأعمال بالمطلق دون ضوابط أو قيود, وتغييب الدولة وتنشيط الجمعيات الأهلية للعب دور تعويضي غير تنموي خيري في الأغلب تحت ما عرف بالدوائر الثلاث. وفي هذا السياق أشرنا إلى المبادئ الضالة الثمانية التي حكمت حركة الرأسمالية التي يمكن أن نطلق عليها الجامحة التي تدوس كل من يقف في طريقها وليس لها ما يضبطها. ولم تأبه الشركات الاحتكارية الكبرى إلى الانتقادات الموجهة لهذه السياسات. فكثيرا ما ارتفعت الأصوات بأنها لن تغدق إلا زيادة الإفقار للغالبية, ولن تحقق المغانم إلا لفئة قليلة… لأنها سياسات تأتي في المقام الأول لمصلحة الأغنياء من خلال إعفاءات ضريبية ومزايا اقتصادية مطلقة,وعدم توفر قيود تشريعية وقانونية حمائية ضد مغامرات هذه الرأسمالية من مضاربات ورهونات وقروض,وترك الناس تحت رحمة السوق بآلياتها التي لا ترحم, وبالأخير الوصول إلي حالة اقتصادية ذات طبيعة احتكارية مالية. انطلقت الانتقادات من نتائج هذه السياسات… ففي دراسة قام بها صندوق النقد الدولي سنة2008 رصد فيها أن العالم عرف125 أزمة اقتصادية منذ السبعينيات ولم تنج الدول الكبيرة شأنها شأن الدول الصغيرة من تداعيات هذه الأزمات. وبسبب المغامرات الاقتصادية الجامحة للسوبر رأسمالية الاحتكارية الكبرى التي تديرها أقلية,أدت هذه السياسات إلى: هدر المساواة; هدر كل الجهود التي كانت تقوم بها الدول على اختلاف أنظمتها الاقتصادية من أجل تأمين المساواة للجميع عقب أزمة1929 من القرن الماضي التي كشفت عن غياب المساواة ومن ثم انطلقت رؤى تحاول أن تبحث عن المساواة من خلال اجراءات عملية وهو ما تم تبنيه عقب الحرب العالمية الثانية.. وتشير الأرقام مرة اخرى وبحسب البنك الدولي إلى الأزمة الاقتصادية الأبرز2009/2008 قد أعادت ما يقرب من 10% من سكان العالم إلى الفقر هذا ناهيك على من يندرجون تحت خط الفقر أصلا… هذا بالإضافة إلى تباطؤ النمو الحقيقي للإنتاج إلى1% في2010 بعد أن بلغ4%. في هذا الإطار نشير إلى الانتقادات الحادة التي وجهت لسياسات الليبرالية الجديدة من داخل المعسكر الاقتصادي الرأسمالى, خاصة بعد أزمة/فضيحة شركتي: إنرون وهالبيرتون في أمريكا(2001-2010)…… فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر من ضمن هذا الحصاد ما يلي: ما أسميه مجموعة نوبل الاقتصادية; وأقصد بعضا من الاقتصاديين الذين حصلوا على نوبل للاقتصاد والذين قدموا مجموعة من الاجتهادات المعتبرة في نقد السياسات النيوليبرالية مثل: أمارتيا سن(1998),و جوزيف استيجلتز(2001),وبول كروجمان(2008). بعض رجال الأعمال مثل:جورج سوروس الذي ألف كتابا بعنوان: أزمة الرأسمالية العالمية. وبعض المدافعين عن النموذج الرأسمالي وانتصاره الحتمي مثل فوكوياما الذي ألف كتابا في سنة2004 بعنوانStateBuilding, حيث أكد على أهمية دور الدولة ووظائفها وضرورة تقويتها واعتبار ذلك إحدى المهمات الضخمة التي يجب الاضطلاع بها,(وقد أشرنا له مبكرا في كتابنا المواطنة والتغيير -2006). وأخيرا بعض السياسيين الذين عملوا في الإدارة الأمريكية مثل روبرت رايش الذي عمل وزيرا للعمل في إدارة كلينتون وألف كتابا مهما بعنوان: السوبر رأسمالية(2007). وبالرغم من التدفق الإعلامي غير المسبوق بفعل تقنيات التواصل الالكتروني إلا أنه يبدو لي أن هناك تعمدا لعدم بث ما تتعرض له سياسات الليبرالية الجديدة من انتقادات وماذا جرى في بلدان المنشأ لهذه السياسات لعلاج آثارها السلبية… لتظل بلداننا أسيرة المبادئ الضالة الثمانية التي تعمل السوبر رأسمالية في إطارها لتبرير الهيمنة الناعمة أو السيطرة الصامتة… لذا نحن في حاجة إلى أن ندرك ما جرى من علاجات,واستحالة الاستمرار في تطبيق هذه السياسات التي كان حصادها بائسا وخاصة للأغلبية… والانضمام إلى الجهود التي تعمل على الإجابة عن سؤال أي مساواة نريد; بعد أن أهدرت على مدى ثلاثة عقود.