إستنادا إلى خبراء بمؤسسة الرئاسة الروسية حقق الرئيس فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين الأخيرة هدفا في المرمى الأمريكي عندما مارس لعبته المفضلة في الإرهاق السايكولوجي للخصوم الأمريكيين. بوتين شغوف بالحرب النفسية وبالعمل الإستخباري وهذا الشغف دفعه لإدارة فعاليات ذهنية في معركة لم يكن من الممكن إخفائها مع غريمه الأمريكي باراك أوباما. تجلى ذلك بإشارة بوتين العلنية لإن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري (يكذب) وبقيامه قبل ذلك عشية قمة العشرين بشطب أوباما من قائمة أصدقائه على فيس بوك مع إبقاء جو بايدن نائب الرئيس صديقا مما دفع أوباما للرد بشطب بوتين عن قائمة المتتبعين في تويتر. فوق ذلك ظهر بوتين صلبا وواثقا وهو يطالب الصحفيين في المؤتمر الصحفي الختامي بطرح أي سؤال يريدونه كما ظهر متابعا للمنطقة عندما تحدث عن سيناء وما يجري فيها. في الأثناء دخل القيصر الروسي في لعبة الأرقام والنسب عندما سأله أحد الصحفيين عن عدد ونسبة الذين أيدوا العمل العسكري أو رفضوه داخل إجتماع العشرين. تدفق بوتين علنا ليعدد أسماء الدول التي وقفت ضد العملية العسكرية في سوريا وقال بأنها تفوق (50 %) وأنه ليس صحيحا أنها أقل من ذلك. لاحقا إضطر الأمريكيون بدورهم للعد فصرح كيري بأن 11 دولة توافق على الضربة العسكرية فيما تقلص عدد الدول التي وقعت علي بيان مع الامريكيين ليصبح عشر دول مع ملاحظة هامة :الدول الموقعة لم تصادق على مسألة الضربة العسكرية وتحدثت عن رد فعل قوي للمجتمع الدولي. الطرافة ظهرت على بوتين عندما إعترف أمام الصحفيين بأنه أصيب بالزكام بسبب مكيفات هواء الطائرة لكن وزارة الخارجية الأمريكية كانت تعبر قبل ذلك عن صدمتها لإن بوتين إتهم كيري بالكذب عبر الإشارة إلى أن الأخير جافاه النوم بسبب هذه التهمة البشعة. ..هذه الصراعات غير المألوفة بين واشنطن والقيصر الروسي وضعت سياقا جديدا من التنافس وساهمت في تعقيد الموقف والمشهد والأهم أنها حسب دبلوماسي جزائري عريق هو السفير أحمد جمال ضيقت من هوامش الخيار أمام الرئيس أوباما الموصوف اليوم بأنه صعد على الشجرة ولا يعرف طريق النزول. السؤال الأن: هل خطط بوتين جيدا لهذه الزاوية الضيقة عندما سخر من الأمريكيين لهذا المستوى ؟. عواصم عربية متعددة من بينها عمان والقاهرة وأبو ظبي والرياض إنشغلت بإندفاع في البحث عن إجابة منطقية على هذا السؤال. بمنطق التحليل السياسي قد يتمكن أوباما من النزول عن الشجرة عبر المخرج الإستراتيجي الذي توفره له ساحة الكونجرس إذا ما صوتت بعد التاسع من الشهر الجاري ب(لا) للضربة العسكرية على حد رأي السياسي الأردني المخضرم ممدوح العبادي الذي يقدر بان الكونجرس قد يمنح أوباما فرصة مغادرة منطق العدوان والهجوم العسكري والبحث في خيارات أقل كلفة. لكن بعض المحللين لهم رأي مختلف تماما يستند إلى قياسات القلق التي شعرت بها بعض العواصم العربية وهي تشاهد أداء بوتين السايكولوجي وهو يضع أوباما بزاوية خيارات ضيقة جدا فالرجل كان يتحدث عن ضربة عسكرية محددوة لإضفاء مصداقية على خطابه الشهير الذي هدد فيه الرئيس بشار الأسد في حال إستعمال الكيماوي. اليوم يختلف موقع أوباما فخيار الضربة المحدودة لم يعد مطروحا كما يلاحظ المحلل السياسي الدكتور عامر سبايلة مشيرا لإن الموقف بعد قمة العشرين ينحصر الأن بخيارين: ضربة ماحقة تماما مفتوحة على كل الإحتمالات أو التراجع عن الضربة. لدى الدوائر المحيطة بالقرار الأردني مثلا قناعة بان أوباما قبل قمة العشرين كان سائرا بإتجاه ضربة محدودة بكل الأحوال , الأمر الذي دفع رئيس وزراء الأردن عبدله النسور مثلا لركوب الموجة وتأييد الضربة بشرط إثبات مسئولية النظام السوري عن ضربه الكيماوي قبل تعديل الموقف المثير. نفس الدوائر لديها قناعة مرجحة اليوم بان الخيارات أصبحت أكثر تعقيدا لإن أوباما بعد إستعراضات بوتين في قمة العشرين عبر المايكروفونات وأمام الإعلام يعيش معادلة من طراز (إما الضربة أو أنا شخصيا) وفقا لقراءة سريعة تقدمت بها فجر السبت خلية أزمة صغيرة معنية بقراءة التطورات في مؤسسة سيادية أردنية مهمة. الفكرة هنا تتمركز على تداعيات ما حصل في قمة العشرين على طاقم الإدارة خصوصا في ظل صعوبة المعركة في الكونجرس ومع أوروبا وإحتمالات أن يجد أوباما نفسه مجبرا على معركة قاسية مع خيارات ضيقة تتعلق بمستقبله السياسي أو حتى بحاضره. عنصر التعقيد في المسألة اليوم أن حرب بوتين السايكلوجية الساخرة دفعت الأمور- لا أحد يعرف عن قصد أو بدونه- بإتجاه أحد خيارين لا ثالث لهما : أوباما يسقط نظام بشار الأسد أو يحصل العكس تماما في الواقع ...هذا حصريا ما تهامش به المجتمع الدبلوماسي الغربي في العاصمة الأردنية عمان عشية المؤتمر الصحفي الختامي لقمة العشرين.