"…وجاء في كتاب التكليف السامي ضرورة إجراء حوار وطني حول الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد. وتنفيذاً للتوجه الملكي باشرت الحكومة بإجراء حوارات مهمة ومكثفة مع العديد من القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قرر على أثرها مجلس الوزراء تشكيل لجنة الحوار الوطني. وحدد مجلس الوزراء مهام اللجنة " بإدارة حوار وطني مكثف حول مختلف التشريعات التي تتعلق بمنظومة العمل السياسي ومراجعتها، لإيجاد حياة حزبية وديمقراطية متقدمة، وتشكيل حكومات برلمانية عمادها الأحزاب، وتقديم مشروعي قانونيين توافقيين للانتخابات النيابية والأحزاب يلبيان هذه الأهداف". كما تضمن قرار مجلس الوزراء إعطاء اللجنة الحرية " في البحث المعمق في مختلف التشريعات ذات الصلة وتقديم توصياتها."ويهدف الاصلاح الى تعزيز مسيرة الانجاز والاستقرار والبناء على المكتسبات والوصول إلى صيغة قانون انتخاب ديمقراطي، يقود إلى انتخاب مجلس نيابي يمثل كل الأردنيين ويضطلع في تكريس العدالة والنزاهة والشفافية وسيادة القانون، وكذلك التوصل إلى تشريع يثري التعددية السياسية والحزبية القائمة ويكرسها نهجاً راسخاً، ويمكن كافة القوى السياسية الفاعلة من المشاركة في العملية الديمقراطية وصناعة القرار عبر أحزاب ذات برامج تعبر عن طموحات المواطنين، وتستجيب لتطلعاتهم خاصة فئة الشباب منهم في فترة ثلاثة أشهر". هذا الخبر الصحفي المطول الذي نشرته وكالة عمون يشبه الى حد التماثل مضمون ما تنشره الجرائد الرسمية ووسائل الاعلام المحلية هذه الأيام من توجهات الحكومة، بتوجيهات ملكية، لفتح آفاق الحوار للوصول الى إصلاح متدرج مبني على التعددية والحفاظ على الوحدة الوطنية، الا أن المدهش في الأمر أن الخبر السابق منشور في شهر 3 عام 2011 مع بدايات انطلاق الربيع العربي، في الوقت الذي كان الأردن يحاول عبور المرحلة بأقل التغييرات والحد الأدنى من الاصلاحات على واقع الأرض، مع امتصاص الزخم الشعبي والتطلعات التي قد تكون امتدت الى الشعب الأردني من إخوانهم العرب في إحداث تغيير جذري بإصلاح النظام!. أكثر من عامين من التوجهات الرسمية ونوايا الاصلاح الحكومي دون تغيير يذكر، بل إن أرقام الدراسات المحايدة ونتائج الاستطلاعات المحلية ومقالات الصحف الغربية أشارت وما تزال تشير إلى أن الشعب الأردني يعتقد أن البلاد لا تسير بالاتجاه الصحيح، وأن البلاد يحركها حكومة ظل أمنية بينما الحكومة الظاهرة على السطح ليست أكثر من أداة لتنفيذ التعليمات وجباية الضرائب ورفع الأسعار، وتنفيذ سياسات البنك الدولي ضد مصلحة الشعب، وأن القوانين التي تمت بها الانتخابات البرلمانية والبلدية قاصرة عن ايجاد سلطة تشريعية ورقابية تدافع عن الشعب وتمثله، وأن سكوت الشعب ليس سكوت الراضي وإنما المغلوب على أمره، الذي تعلم درسا قاسيا من الجارة سوريا؛ فرضي بعيش الفتات والذلة مقابل مكرمة الأمن والأمان دون توفر الحد الأدنى من العيش الكريم لجميع فئات الشعب!! بماذا سيختلف حوار 2013 عن حوار 2011 ولماذا لم تنتج سنتان ما بين حوار الأمس واليوم شيئا؟ ولماذا لم توضع قرارات لجنة الحوار عام 2011 والتي شكلت بإرادة ملكية موضع التنفيذ خلال السنتين الماضيتين، وعدنا الى المربع الأول في المطالبة بالحوار وتشكيل لجان الحوار والتدرج في الاصلاح؟! سنتان من الغليان المحلي والعربي والعالمي لم تكف للتدرج فهل هناك سقف زمني للحوار وإعادة الحوار والتدرج في الاصلاح، أم هو عملية مستمرة الى ما لا نهاية نلجأ اليها كلما وصلنا عنق الزجاجة مخافة أن تنفجر الأمور في دولة لا تحتمل أكثر مما أصابها؟! ما الحل إذن إذا كان الحوار غير مجد وكلام النهار تمحوه سياسات الحكومات بليل لم ير ضوء القمر؟ هل نظل نؤمل الشعب ونخدرهم ونخوفهم بالآخرين للقبول بلا شيء وكأن الحكومات والأنظمة تقول لنا "قولوا ما تقولون وأنا أفعل ما أريد؟! Say what you like, I do what I want! ماذا يفعل الحوار في الحد من الفساد والفقر والبطالة وانتهاك حقوق الانسان والتدهور الأخلاقي وانتشار العنف على كافة المستويات، واذا كان ينفع فلماذا لم ينفع في السنتين الماضيتين؟ الأ تكفي سنتان من عمر وقوت ومستقبل وكرامة الشعوب للتجريب، والى متى نظل نجرب، ومتى نتوقف عن التنظير في الوقت الذي يدفع فيه المواطن الفاتورة الباهظة من حياته؟! ولكن هل لدينا غير الحوار؟ الدفع بالأردن الى أي سيناريو عنيف لا سمح الله هو حمق وخيانة بل إن الاصلاح الشعبي كان حكيما برفع وتطبيق شعار "الشعب يريد اصلاح النظام" وما ذلك الا عن قراءة واعية لتركيبة ومعطيات الحالة الأردنية ورغبة حقيقية بالاصلاح السلمي الذي يجنب البلاد والعباد ويلات ما تراه من أنظمة عربية أخرى، رأت في نفسها دولة فوق الوطن وآلهة فوق الشعب ومن وراءهم الطوفان ولو دمرت البلد وفني الناس عن بكرة أبيهم!!! الا أن الاصلاح الشعبي ملام بعدم استغلال قوة الضغط الشعبي وتفعيل الشارع في نشاطات سلمية جماهيرية، والبناء على تجارب الشعوب المتقدمة في العصيان المدني، وزيادة الوعي لاحداث الضغط باتجاه تغييرات حقيقية، فظلت الأمور بين شد وجذب وظلت الحكومات تمسك بزمام الأمور في تنفيذ سياساتها، بل وزادت بقمع وسجن المعارضين والاصلاحيين! وللأسف فإن الاصلاحيين الذين قاطعوا لجان حوار عام 2011 وصرحوا أنها لن تنجلي الا عن سراب بقيعة يبدون أكثر ليونة تجاه دعوات الحوار المطروحة الآن، وسؤالنا لهم ماذا تغير وهل سيثمر حوار 2013 ما لم يثمره حوار 2011، وهل تتعامل الحكومات بجدية مع الاصلاح أصلا أم أنها مجرد مرحلة حوار عابر آخر؟ وكيف سيبرر الاصلاحييون للشعب الذي وثق بهم دخولهم في حوار سبق وأن رأوا نتائج سابقه؟ وهل التنازل الآن ضريبة الأمر الواقع أم حكمة تكتيكية أم محاولة احتواء أم رضوخ للعاصفة أم تخبط لا يعرف سببه أم إيمان حقيقي بصدق نوايا التغيير؟ تبدو حكمة أجدادنا الأكثر صدقا الآن وهم يقولون "اللي بجرب المجرب بكون عقله مخرب"! أسئلة مفتوحة في حوار لا يبدو له نهاية ولا نتيجة في نفق لا نرى الضوء في آخره، ولولا الإيمان بأن لهذا البلد مستقبلا بشر به الاسلام لعقرنا الخيول وكسرنا الأقلام وقعدنا دون المكارم ننتظر طعام وكساء المنة والتفضل! وأستعير من حكمة أحمد مطر في اصطناع اصطبار من ينتظر مفلسا اذ يقول: "وطني جاءت إليكِ لجنة، تبيضُ لجنتينِ تُفقِّسان بعد جولتين عن ثمانْ وبالرفاء والبنينِ تكثر اللجانْ ويُسحق الصبر على أعصابهِ وطني حيَّ على اللجانْ حيَّ على اللجانْ" نريد تغييرا لا نريد حوارا فقد أشبعتمونا كلاما بغير فعال وفزتم كذلك بالإبل.