ماما: بس أتحجب مش راح ألبس حجاب أبيض زيك! بهذه الكلمات أعلنت ابنتي فاطمة عندما كان عمرها تسع سنوات أنها ستلبس حجابا ملونا! وهذا ما كان عندما تحجبت وعمرها عشر سنوات بكامل إرادتها وقرارها الأول المصيري الذي لا أظن أنها في تلك السن أدركت كامل أبعاده، ولكن المهم أنها ستذكر دائما أن أحدا لم يجبرها على ارتداء الحجاب عندما تكبر، وتزيد من حولها التحديات التي تسعر في النفس الطغيان على أمر الخالق والانقياد لشياطين الإنس والجن، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، المهم أنها ستكبر ان شاء الله لترى نفسها بالحجاب أنثى كاملة وجميلة ومنجزة ومتفوقة يشكل لها الحجاب هوية انطلاق وعمل وفخر في محله. طبعا لم أجادل هذا التصريح الجليل في سن التاسعة بل على العكس رحبت واجتهدت وما زلت لليوم بعد مرور سنتين على حجابها اشتري لها كل ما حسن لونه وشكله من حجاب وملابس؛ لترى الحجاب شيئا جميلا لا تنقص به الدنيا ولا جمالها، وإنما تزيد، فالهدف التربوي التراكمي أهم من أن أقاتل على الشكل والكيفية، والمهم الزبدة والنتيجة لا أن أقاتل الناطور، والأهم أن يكون القرار شخصيا عن قناعة لا تغيرها كل ألوان المغريات في المستقبل ولا غياب رقابة البشر أو الانتقال من المجتمع النظيف المحصور الى المجتمع العام باختلافاته. ولكن كان مهما عندي أن أفهم ما الذي جعل ابنتي في سن التاسعة تقرر أن الحجاب الأبيض يحمل معاني مختلفة عن الحجاب الملون؟! هل هو اختلاف الألوان وذائقة الجمال فقط؟ أم تسارع الوعي لدى الأجيال الجديدة وحساسيتهم للمادة قبل الروح وللمظهر أكثر من الجوهر؟ هل يفهمون أن اختلاف التقديم والصورة قد يرتبط بهما سلوك فوق القماش وأهم من الألوان؟ لماذا لبس جيلنا الحجاب بالألوان الأساسية المحدودة والجلباب الفضفاض دون كثير سؤال او اشتراط؟! في زمننا صلى المصلون منا دون ان يقام لهم حفل بلوغ سن الصلاة في السابعة، وتحجبنا دون تشجيعات تعدو ربما المباركة اللفظية والدعاء الحسن وضمة حنان من الوالدين، واليوم نحتفل اذا حفظ الطفل الفاتحة ونغدق عليه الهدايا ونصوره ونعرضه للاصدقاء ونقيم الحفلات المتتالية لكل مرحلة ينجز فيها شيئا من تكاليف الدين الأساسية؟! فهل في هذا استجابة محمودة وتطور تربوي أم هرطقة محدثة تزيد في فشلنا التربوي وميوعة الأجيال؟ أم هي فجوة الأجيال التي يقول بعض علماء التربية والنفس أن ردمها شبه مستحيل؛ وبالتالي ينقطع التواصل والتفاهم عند سن معينة ويتوقف الأباء عن التربية والأبناء عن الاستجابة، ولكل زمان أجياله وأفكارهم المختلفة!! ويستشهد الملتزمون بقول سيدنا علي «ربوا أبناءكم لزمانهم فإنهم قد خلقوا لزمان غير زمانكم» وبقدر ما في هذا القول من المصداقية الا أن التطبيق يأخذ أوجها لها نصيبها من التساهل والتراخي، فلمجرد أن أولادنا خلقوا في زمان غير زماننا يرخي بعض الأباء لأولادهم الحبل على الغارب، ويقصرون في التربية التي تستدعي الحزم واللين جنبا الى جنب، والعطاء والمنع واغداق الحب ولزوم الجد بحسب الموقف؛ فالمبادىء والقواعد العامة نادرا ما تتغير والحلال بين وكذا الحرام، الحق لا يتلون وليس عجينة ألعاب تتشكل في يد صاحبها، ولكن هناك فسحة كبيرة من المباحات تكسب الدين مرونة وتجعل لجيل الديناصورات، كما ينظر الينا ابناؤنا احيانا، مكانا بجانب جيل الكبسة السريعة التي تجعل العالم تحت يديك. ليس المشكلة لون الحجاب أوشكل الجلباب، الأهم من ذلك أن نعرف صفات الحجاب الشرعية ولماذا نلبسه كعبادة أم عادة؟ وما هي السلوكيات المرافقة لارتداء الحجاب؟ وما هي الصورة والدور الذي يجب أن يكون للمحجبة في المجتمع؟ اذا عقلت بناتنا ونحن هذه الأمور لا يجب ان نبالي بالشكل أو المسمى لنتجنب الوقوع في الخلاف؛ هل الحجاب جلباب أم عباءة أم شروال وقميص، بنقاب اوبغير نقاب وغيرها من الاختلافات التي يدخل فيها جوانب ثقافية وعادات اجتماعية لشعوب اسلامية تتوزع في كل العالم وتشمل العرب والعجم. في معرض آخر متصل أصبح الشباب يتساءلون هل الحب حرام في الاسلام؟ وأضحك كلما قرأت السؤال والسبب الأول أنه لم يكن واردا في أيامنا لخلطة غريبة من العيب والخجل والجهل بالأحكام!!! هل هو حرام؟ بالطبع لا، فالله سبحانه وتعالى عندما وصف كمال العلاقة بينه وبين عباده قال» يحبهم ويحبونه» بل إن رسول الله صل الله عليه وسلم أقر الحب وأنه حاصل بين الجنسين دون تجريم او اتهام؛ ولكن ألحقه بما يضمن بقاءه طاهرا جميلا محلقا محترما، يقدر الأطراف المشتركة فيه، ويحفظ لهم حقوقهم، فليس أعظم ولا أثمن من أن تعطي قلبك لإنسان، فقال صل الله عليه وسلم «لم أر للمتحابين مثل النكاح» فلا بأس في الحب بالتأكيد ولكن البأس كيف نصل له ابتداء، وكيف نحافظ عليه انتهاء. كنا نقبل على الدين في أيامنا دون الحاجة الى عوامل مساعدة وحوافز وجوائز تشجيعية، والآن نحتاج الى جهود جبارة لتربية أولادنا على الدين والأخلاق، فنحن نتنافس على قلوبهم وعقولهم في حرب ضروس مع تيارات تملك مقدرات هائلة، وتريد ان تستولي عليهم، وعلى الأغلب ليس لمصلحتهم ولا لمصلحة دولهم! نعم اختلف الزمن ولكن الدين عابر للوقت، حديث في كل زمن، متجدد مع الاختلافات، مساير للتطورات، فنحن لا نتنازل عندما نتعاطى مع الجدة، بل لا نعدو أننا نطبق خاصية صلاحية الدين لكل زمان ومكان، وقابليته أن يسير معنا وبنا الى كل خير وعلياء. يقال» كل وقت وله آذانه» نعم، ولكن بشرط ألا يختلف المضمون ولا الأداء، وتكون النتيجة قربى الى الله وحسنى في الحياة على كل الأحوال.