يعيش أكثر من 50 سعودياً من حملة شهادات الدكتوراة والماجستير وضعاً نفسياً سيئاً، بعد رفض أكثر من عشر جامعات سعودية تعيينهم بحجج يرونها غير مقنعة، ويطالبون بحقهم في دخول السلك التعليمي الجامعي، خاصة وأن شهاداتهم صادرة من جامعات سعودية أو عربية معترف بها. ولم تكن الأعذار التي ساقتها الجامعات لرفض طلباتهم غير مقنعة لهم، فهي إما أن وظائفهم مشغولة بمتعاقدين غير سعوديين، أو أنهم ينتظرون عودة طلاب مبتعثين للخارج.
ويكشف الدكتور فهد العويني، الذي يتحدث نيابة عن الآخرين، عن معاناتهم في ظل رفض منحهم الوظائف التي يستحقونها في وقت تمنح لوافدين غير سعوديين، وهو ما يعتبره العويني ورفاقه مخالفة صريحة للنظام.
ويقول ل"العربية.نت: "نحن أكثر من خمسين سعودياً من حملة الشهادات العليا، الدكتوراة والماجستير، ومتخرجون من جامعات سعودية، مثل أم القرى والملك سعود وغيرها، أو جامعات خارجية ولكن معترف بها وشهادتها معادلة، ومع ذلك نُرفض عندما نقدم شهاداتنا للجامعات السعودية، وخاصة المحدثة منها، للانضمام لهيئة التدريس".
ويضيف: "نفاجأ بأن الوظائف موجودة فعلاً، ولكن من يشغلها هم متعاقدون من غير السعوديين، ويتم رفض طلبنا مع أن نص نظام هيئة التعليم العالي يقول (لا يجوز أن يوظف متعاقد في حالة وجود سعودي يحمل نفس المؤهل). كان يفترض أن يتم إنهاء عقودهم أو منحهم فرصة لتعديل أوضاعهم ومنح أهل لبلد الوظائف التي يستحقونها، فهذا حق لنا".
لم يختبرونا وكلامهم لا يصدق ويواصل باستغراب: "بعض الجامعات تقول نحن ننتظر عودة المبتعثين، علماً أن شهاداتنا جاهزة ومعترف بها". ويتابع: "الجامعات تفضل المبتعثين لكون لغتهم الإنجليزية أفضل، ولأنهم درسوا في ثقافات غربية أفضل. للأسف هذا الكلام غير منطقي وساذج. فهم ينتظرون المبتعثين ليعدوا بشهاداتهم بينما شهاداتنا نحن جاهزة. فما الفائدة إذاً من أن تخرج الجامعات السعودية تخصصات عليا إذا كان الجامعات ذاتها سترفض تعيينا وتنتظر المبتعثين من الخارج؟. هذا الكلام لا يصدق". ويضيف: "حتى أنهم لم يختبروا قدراتي ولكن من الباب قالوا لي أن الوظيفة موجودة ويشغلها غير سعودي ولا ينظر في أمرنا".
ويؤكد العويني على أنهم لم يتركوا باب جامعة إلا وطرقوه: "قدمنا على معظم الجامعات، ولكن لا يقبل منا إلا قلة". ويتابع: "المشكلة لا تخصنا فقط، بل كل من يتخرج من الجامعات السعودية بمؤهلات عليا". ويتابع: "أنا أحمل شهادة الدكتوراة في التربية وحصلت عليها من الأردن، وهناك كثيرون والعدد في ازدياد. أخذت على عاتقي التحدث باسمنا ولو كان هذا الأمر غير رسمي ودون تكليف منهم".
ويحمّل دكتور التربية وزارة التعليم العالي مسؤولية ما يحدث، لأنها لا تحاسب الجامعات على تقصيرهم، ولأنها لم تنصفهم على الرغم من لجوئهم إليها: "وزارة التعليم العالي هي المسؤولة عن الوضع الحالي وعندما نتحدث مع الجامعة يقولون إن القرار في يد مدير الجامعة الذي يرتبط مباشرة مع وزير التعليم العالي".
ويضيف: "في نهاية المطاف رفعنا خطاباً لوزير التعليم العالي وهو وجه لمدراء الجامعات للنظر في وضعنا ولكن دون فائدة، والجامعات ردت علينا بالرد ذاته: لا يمكنهم قبولنا".
القضاء الإداري سينصف المرفوضين
تبدو الأمور مرشحة للسوء وقد يصل الأمر إلى لجوء حملة الشهادات العليا المرفوضين للمحاكم المختصة للحصول على حقوقهم. وهو ما ينصح به المستشار سعد الوهيبي للرد على أعذار الجامعات بانتظار المبتعثين أو انشغال وظائفهم بمتعاقدين غير سعوديين. وهو يرى أن التوجه إلى القضاء الإداري ورفع قضية ضد جامعات وزارة التعليم العالي لأخذ حقوقهم هو الحل الأفضل بدلاً من انتظار أن يأتي الفرج إليهم.
ويقول في حديثة ل"العربية.نت": "يفترض على من يجد هذه المعضلة أن يتقدم للقضاء الإداري على اعتبار أن هذا الأم مخالف للنظام، طالما أن وظيفته بنفس مؤهلات وحتى ولو قلت بشيء بسيط فهي حق مكتسب له أن يعمل في هذه الجامعة. وبالتالي يفصل فيها القضاء الإداري، وفي الغالب يصدر فيها حكماً لصالح المتقدم".
ويحمّل الوهيبي وزارة التعليم العالي مسؤولية التسبب في تعليق وضع حملة شهادات الدكتوراة والماجستير، لأنها هي الجهة المخولة بتعيين أساتذة الجامعات. ويقول: "وزارة التعليم العالي هي الجهة المسؤولة عن هذا الأمر. لأن المسؤولية تتابعية، فمن الذي يقوم بتعيين أساتذة الجامعات وتلبيه احتياجاتها؟ هي وزارة التعليم العالي، وبالتالي فإن الجامعة منفذة لقرارات التعليم العالي في حالة الاحتياج. فتقام الدعوى إما على وزارة التعليم العالي منفردة أو على التعليم العالي والجامعات الرافضة. ولأنها متعددة فالأفضل حصرها في التعليم العالي لأنها هي التي تدير دفة هذه الجامعات".
تبريرات غير مقنعة وحجج واهية
يرفض المستشار الوهيبي التبريرات التي ساقتها الجامعات لرفض طلب المتقدمين ويعتبرها غير مقبولة. ويقول: "السعودة مطلوبة في القطاع الخاص فما بالك بالحكومة. المهن البسيطة لا يقبل فيها إلا سعوديين الآن، فما بالك بحملة الشهادات العليا؟ هو الأحق بلا منازع ولا يمكن أن يكون المبرر أن في مكانه أجنبي أو ننتظر القادمين من الابتعاث. هذا غير مقبول على الإطلاق، خاصة وأن الجامعات لا تتعاقد مع أستاذة الجامعات غير السعوديين إلا لمدة عام. لهذا كان على الجامعات ألا تجدد العقد في حال وجود الأستاذ السعودي".
ويتابع : "ما حدث ليس مبرراً، ولا أعتقد أنهم سيذكرون هذا الكلام للعلن. لن يقولوا ننتظر المبتعثين للعودة وهذا سيحدث بعد سنوات، ولكنهم سيعتذرون بعدم وجود تخصصات شاغرة. هذا ما أتوقعه. لأن العذر الأول إدانة كبيرة لهم، وكان على المتقدمين الذي صُدوا بهذا العذر أن يتكتلوا ويطلبوا مقابلة الوزير رسمياً وألا يخرجوا من هناك حتى يحصلوا على رد كتابي منه".
الجمعية ستتأكد من عدم انتهاك القوانين
يرى الكثيرون أن وزارة التعليم العالي والجامعات لم تلتزم بالقوانين الرسمية التي تعطيهم الأولوية في التوظيف. ومنهم رئيس جمعية حقوق الإنسان السعودية الدكتور مفلح القحطاني، الذي يؤكد على أن الحجج التي ساقتها الجامعات في معرض رفضها لطلب توظيف المتقدمين السعوديين غير قانونية، وتخالف النظام المعمول به، مشدداً على أن الجمعية ستتابع القضية للتأكد من أن القوانين طبقت بشكل صحيح.
ويقول ل"العربية.نت": "حسب القانون والنظام فإن أي وظيفه تشغل بمتعاقد غير سعودي تعتبر في حكم الشاغرة إذا توفر سعودي تنطبق عليه الشروط وذات المؤهلات وبالتالي يكون أحق منه. وبهذا الشكل يكون رد الجامعات غير قانوني. كما أن القول أن مثل هذه الوظائف لا يمكن ملؤها إلا بالعائدين من الابتعاث الخارجي فهذا أمر مستقبلي، بينما أمامنا من يحمل شهادات وهم جاهزون للعمل، ومن المهم أن تنطبق على المتقدمين للوظائف الشروط".
ويضيف: "المفترض أن تبحث أوراقهم وتجرى معهم مقابلات وتكون هناك شروطاً وطلبات واضحة ومعرفه ما غذا كانت تنطبق عليهم أم لا.. ولكن يجب أن يكون كل شيء واضح".
وتابع متحدثاً عن الدور الذي ستقوم به الجمعية مستقبلاً: "نحن في جمعية حقوق الإنسان دورنا في مثل هذه الحالات هو التأكد من أن الجهات المعنية طبقت القوانين والتزمت بها، وأن لا يكون هناك أي انتهاك لحق أي إنسان". وتابع: "لو تقدم الطلاب بشكوى لنا سنبحثها وسيكون هناك تأكد من أن القوانين التي تنظم مثل تلك الحالات احترمت من قبل الجهات التي تقدموا إليها".
اختيار العقول أهم من الشهادات
لم تثمر كل محاولات "العربية.نت" لأكثر من أسبوع في الحصول على تعليق من وزارة التعليم العالي وباءت بالفشل، على الرغم من تأكيدات بعض المسؤولين فيها بالتعليق على الموضوع. غير أن بعض المنتسبين للجامعات السعودية يرون أن اعتماد السعودة والركون للشهادات فقط قد يضر بمستوى الجامعات السعودية، وأنه يجب أن يكون هناك استثناء لمبدأ السعودة في التعليم العالي، ويجب أن يكون الأمر منوط بالأهلية والخبرة فقط.
ويشدد رئيس قسم الإعلام في جامعة الملك سعود سابقاً الدكتور فهد الخريجي على أنه يفضل الدكتور غير السعودي على السعودي إن كان أكثر علماً منه.
ويقول في حديثة ل"العربية.نت": "التوسع في إنشاء الجامعات السعودية خطوة رائدة، ولكن الخوف على هذه التجربة هو من استقطاب كفاءات رديئة من العمال العرب، ما قد يسبب إرباك للتعليم العالي في السعودية".
ويتابع: "يجب أن يستثنى العلم من مفهوم الجنسية، جنسية العلم هو الأفضلية في التخصص. كما يجب ألا يعالج المريض إلا الطبيب الأفضل بغض النظر عن جنسيته. والعلم جراحة للعقول، لهذا يجب أن يكون اختيارنا لأعضاء هيئة التدريس قائم على الأهلية، لأن هذا الدكتور سيقوم بجراحة لعقول الطلاب، فيجيب أن يكون المعيار في الاختيار الكفاءة وليس الجنسية".
ويشدد الخريجي على أن المعايير الحالية غير مقبولة، لأنها تركز على الشهادات دون النظر إلى خبرة من يحملها. ويقول: "يجب أن تكون معايير الجامعات السعودية مبنية على أهلية الأشخاص وليس فقط اعتبار الشهادات هي المعيار الوحيد لشغل المناصب الإدارية، لأن هناك جامعات غربية تتخلف عن ركب الجامعات العربية كثيراً. والدليل على ذلك أن ترتيب جامعة الملك سعود في التصنيف الإسباني 163، وهي تتقدم على آلاف الجامعات الأمريكية. كما أن هناك جامعات عربية تبيع شهاداتها وهذا هو السبب الذي يقلل مصداقية هذه الشهادات".
ويختم: "يجب أن تكون الجامعات عادلة مع كل من يحمل شهادة الدكتوراة ومن لا يحملها. وأن يكون معيارنا في الاختيار أكبر من معيار الشهادة لأن هذا المعيار قد يكون كاذباً. وأن يكون المعيار الأهلية العلمية وعدد البحوث التي أجراها وأن يخضع لاختبار داخل الجامعة للتأكد من أحقيته بالوظيفة".