قبل أسبوعين تساءل القيادي الإصلاحي زيد الشامي متى يبدأ الحوار، وفي الأسبوع ذاته، كان الدكتور عيدروس النقيب – القيادي في الحزب الاشتراكي – يعتبر مساعي الدكتور عبد الكريم الإرياني مساع شخصيةً، متهماً من هو أعلى منه بالتحكم في توجيه الحوار. وفيما يبدو أن وقع ذلك كان كبيراً على مسامع رجل مثل الدكتور الإرياني، وهو الذي كان يحاول تذليل العقبات بشتى الطرق الممكنة (يزخر الرجل بتجربة سياسية تجعله الأكثر قدرة على التفاوض) من أجل مواصلة وإنجاز ما تم الاتفاق بشأنه، بين الحزب الحاكم والمعارضة (فبراير الماضي). أشارت معلومات – لم تؤكد بعد بصورة رسمية- أن النتيجة التي خلص إليها الرجل – تأسيساً على ذلك – أنه قرر رفع رسالة للرئيس، طلب منه إعفاءه من المهمة التي كلفه بها قبل أشهر (فبراير الماضي تحديداً)، لقيادة الحوار مع المعارضة ( قيادات الأحزاب الممثلة في مجلس النواب). ذلك مع أن تلك اللقاءات، التي قادها الارياني، أوصلت الطرفين إلى حل وسط، أفضى لاتفاق تم بموجبه تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عامين، وتمديد فترة مجلس النواب الحالي للمدة نفسها.
ومنذ ذلك الحين، مر الاتفاق المذكور بمنعطفات كبيرة وكثيرة. تجسدت بعضها في تصريحات متباينة، أطلقتها قيادات الطرفين في مواقف ساد فيها الاختلاف. ومع أن المستجدات الكبيرة التي لحقت بالتوقيع كانت أساساً لتلك التباينات، إلا أن النتيجة – في نهاية الأمر- لم تتعد مجرد إلقاء التهم ولوم كل طرف للآخر، أنه يسعى للتنصل من الاتفاقية. ومع ذلك، فقد ظلت فكرة إنهاء ما اتفق بشأنه خلال المدة المحددة، هي الأمر المشترك بين الطرفين، وإن كان شاب ذلك ما شابه من نزوع كل طرف للتمسك بتفسيراته الخاصة لمضامين تلك الاتفاقية. وبقياس ذلك على ما حدث مؤخراً – إذا ما ثبت حقاً أن الإرياني قد طلب إعفاءه من المهمة – فإن التبرير الذي أوردته تلك المعلومات، لن يكون - بأي حال من الأحوال - هو التبرير المنطقي لتلك النتيجة المفاجئة. وعليه يبقى حرياً البحث عن تبرير آخر يكون أقرب للحقيقة. وهو ما يحاول البعض تجسيده بتجديد تلك الاتهامات القديمة، والقائلة بوجود صراع - لم يعد خفياً- بين أطراف متنازعة المصالح في الحزب الحاكم، بحيث يعمد الطرف غير المتواجد ضمن مكونات الحوار، إلى عرقلة أي تقارب مع المعارضة، اعتقاداً منه أن النتيجة المتوقعة لن تمثل مصالحه، أو ربما أنها ستأتي على حساب تواجده، وبالتالي: قوته. ومثل هذا التفسير، ينزع إليه الكثير من قيادات المشترك، وبالأخص منهم أولئك الذين يعتقدون أنهم باتوا أكثر معرفة بطبيعة الصراع داخل الحزب الحاكم. هناك تفسير آخر قد يضمن بعض أجزاء الحقيقة. وهو أن الإرياني، بوضعه الحالي، لم يعد يمتلك تلك القدرة، التي تمتع بها في صحته. لكن، وبفرض أن الرئيس بعث برسالة الدكتور الإرياني إلى بعض قيادات المشترك، للبحث في ردة الفعل التي يفترض أن تأتي سلباً أو إيجاباً، بحيث من الممكن للرئيس أن يكتشف مكنون المشترك، تجاه الدكتور الإرياني، وربطها بصحة أو خطأ ما يصله من اتهامات، عن نوايا الأخير من عملية الحوار، حتى وإن كان يدرك أن ما يصله يأتي من جهة الطرف الذي يعتبر الإرياني طرفاً مناوئا ً له في معركة الحفاظ على المصالح والمكتسبات الخاصة. أما الأمر الذي قد يساعد على التشكيك بالدكتور - من الطرف الآخر - لدى الرئيس، فهو ربما يأتي، من جهة التشكيك باحتمالية نزوعه (الإرياني) للرد على تهميشه – في الفترة الأخيرة - من خلال استغلاله المحور ذي المعنى الفضفاض والواسع: إصلاح النظام السياسي. لإحداث إصلاحات تقيد صلاحيات الرئيس الواسعة، وتخفف من قبضته على كل تفاصيل البلاد. أما موقف قيادات المشترك، من رسالة الإرياني للرئيس (بطلب إعفائه من الحوار) ربما تكون أقرب للتأسف، بفرض أن التفاهم بين الحزب الحاكم والمعارضة لم يصل إلى هذا المستوى من التقارب إلا معه، لاسيما في تلك القضايا التي ظلت قيادات في الحزب الحاكم (ممن كانت تقود، أو تتواجد في مكونات الحوار سابقاً) ترفض التجاوب فيها مع المشترك. وهو بحد ذاته الأمر الذي من المتوقع أن يزيد من فرص استغلال تلك الأطراف المناوئة له في الحزب في مزيد من التشكيك به. وزيادة في حجم المؤشرات التي تكالبت على رأس الدكتور الإرياني، فقد استغل الساعون للتشكيك به أحد بيانات اللقاء المشترك (التي صدرت في الفترة الأخيرة)، لكونه تضمن شكراً له على جهوده في عملية الحوار، وهو ما اعتبرها البعض ضربة موجهة من المشترك، ضد الرجل عند الرئيس، فيما اعتقد صائغو البيان أنهم يؤدون واجبهم تجاهه، كمقدمة لابد منها لما تضمنه البيان لاحقاً من قضايا هجومية ضد النظام. وإلا ما معنى أن يصل الإرياني – وهو الذي عرف برجل المهمات الصعبة – إلى تلك القناعة المفاجئة، من طلب الإعفاء من مواصلة الحوار، بعد لقائه بيوم واحد فقط بأحد قيادات أحزاب المشترك المؤثرة، ولكن من الذين يفضلون التواري عن ساحة المشهد السياسي.
مرة أخرى .. على فرض أن الرد المنطقي الذي يفترض بالمشترك التعامل فيه مع تلك المفاجأة هو: أن يقدموا للرئيس ملفاً بما تعرضت له قيادات المشترك من اتهامات وتشكيكات وهجوم متنوع من قبل قيادات المؤتمر، طوال تلك المدة التي أعقبت التوقيع على الاتفاقية، للخلوص إلى نتيجة مفادها: أن ذلك الأمر لم يؤثر عليهم لدرجة اتخاذ قرار بالتخلي نهائياً عن موضوع مواصلة الحوار حول ما تم التوقيع عليه. وهو ما يجعل طلب الإرياني الأخير محاطاً بالشكوك، إن كان الأمر يتعلق – حقاً - ببعض ما ورد في مقالة لأحد قياديي الإصلاح البعيدين عن عملية الحوار، أو تصريحات قيادي اشتراكي، عبر فيها عن تصوره الخاص لما يدور خلف الكواليس. وفي كل الأحوال، يبدو الأمر غامضاً إلى حد ما، خصوصاً وأن الرئيس لم يتخذ قراره بالموافقة على طلب الإعفاء حتى الآن، وإن كان قد دعا اللجنة الدائمة للاجتماع بقيادة نائبه لمناقشة تلك المستجدات واتخاذ قرار بشأنها (الأسبوع الفائت). غير أن اللجنة هي الأخرى، وقفت عاجزة عن اتخاذ القرار النهائي، وفضلت مهاجمة المشترك، بعد تجديدها دعوته لمواصلة الحوار وعدم التنصل عن الاتفاقية الموقعة. على أنه فجأة - بعد ذلك الاجتماع المؤتمري - انهال الهجوم ضد المشترك من قبل قيادات في الحزب الحاكم دون مبرر، عدا تصريحات الدكتور ياسين سعيد نعمان ل "المصدر" الأسبوع الماضي، والتي لم يشر فيها إلى إمكانية تخلي المشترك عن تلك الاتفاقية بالقدر الذي أوضح فيه أسباب عدم استجابتهم لمواصلة الحوار في الوقت الحالي. وهو ما يفيد أنه – وبمجرد إنهاء المؤتمر لتلك الأسباب المانعة سيمكنهم الاستئناف مباشرة.. هجوم قيادات الحزب الحاكم، وصلت بعضها إلى التهديد بالقول إن خيار الدعوة إلى انتخابات مبكرة يعتبر خياراً ممكناً في حالة عدم تنفيذ الاتفاق بين الطرفين. ومع أن مثل هذا الأمر شككت فيه قيادات في المشترك بالقول إن المؤتمر الذي عجز عن المضي وحيداً للانتخابات قبل الاتفاق على التأجيل هو اليوم أعجز منه في السابق. تبدو تصريحات قيادات الحزب الحاكم واضحة المعالم، إنها لا تملك باليد حيلة فيما لو استمرت المعارضة برفض الجلوس معه على طاولة الحوار إلا بعد تحقيق مطالبها التي تجسدت بشكل نهائي في تصريحات الدكتور ياسين سعيد نعمان الأخيرة.. غير أن ردة الفعل المؤتمرية - على حدتها – تكاد توحي علناً أن الحزب الحاكم قد أحيط به، بحيث -ربما- يتجسد ذلك بطلب الإرياني إعفاءه من مواصلة الحوار. وحتى إن ارتبط ذلك الأمر بتفسيرات مختلفة، فإن المؤكد – من خلال المؤشرات - أن المشترك يمتلك خيوط اللعبة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يدعمه، إلى جانب تصريحات قيادات الحزب الحاكم الانفعالية الأخيرة، خطاب الرئيس الأخير الذي -وعلى غير العادة- اتسم بالهدوء أكثر من اللازم. قد يصب طلب الإرياني - بإعفائه من الحوار - في مصلحة المشترك، الذي من المتوقع أن يصر على ضرورة وجود الرجل على رأس الحوار، كأحد الشروط اللازمة للمواصلة، على اعتبار أنه هو من وقع معهم على تلك الاتفاقية. ذلك، ما لم يستجد في القضية أمور أخرى، قد تجعل من المعادلة القائمة في الوقت الحالي، أمراً قابلاً للاستثناء.