لم يكن في الحسبان ولا في خواطر البال، ولا حتى في أضغاث الأحلام ، أن تضيق الأرض بمن عليها، وأن تقفل أبواب القصور الغربية واللاتينية بأكملها لحامي حمى العلمانية والتغريب والفرنسة في بلاد تونس العربية: حاضرة جامع الزيتونة والقيروان وفاتح الأندلس عقبة بن نافع. زين العابدين بن علي أذاق أهل تونس من كؤوس المر والذل ما لم يذقه شعب عربي آخر .. من يصدق أن سيارات الشرطة تقف على بعد أمتار من المساجد لمراقبة التزام الفتيات بشروط ارتداء الحجاب الصادرة من قصر حكم شيطان العابدين وشر المسلمين وألد أعداء الدين بن علي وقرينته ليلى الطرابلسي. حتى في دول الغرب والعلمانية والإجهاد، حتى في تل أبيب تفتح المساجد أبوابها في الصلوات الخمس العابدين، أما في قوانين شيطان تونس فلا يسمح بفتحها إلا ثلاث مرات في اليوم وكأنها وجبات طعام . لست راديكالياً ولا ممن إلى فرض رؤاهم الدينية بالقوة على الآخرين ، ولكنني أؤمن بمبدأ الحرية والتي منها الحرية في المعتقد ونوع الملبس وطريقة التصرف والسلوكيات. زين العابدين وأسرته وعشيرته وصحبه جعلوا من تونس ملكاً مستباحاً لهم، يصولون ويجولون دونما أي رقيب أو حسيب ، لأنه لا أحد سواهم فهم المراقبون وهم المحاسبون ، استحوذوا على موارد الدولة بشتى أنواعها من شركات الطيران والدعاية والإعلان، والفنادق والصحف والإذاعات وحتى السوبر ماركت والمواد القرطاسية لم يدعوا للشعب أي فتات يقتات عليه. هناك ظلم وفساد وإستحواذ على السلطة ومراكز المال في بعض الأنظمة ولكن أن يصل الأمر إلى مزاحمة الشعوب في فتات العيش ، فمهماً طالت قوتهم ومهماً طال الشعب في صمته ، فإن ساعة واحدة من الغضب لا تستطيع أي قوة إيقافها وما حدث في تونس من ساعات فقط من الغضب في الشارع الرئيسي في العاصمة كان كفيلاً بإعلان انتهاء أكبر وأعرق نظام دكتاتوري في المنطقة العربية. درجة قوة نظام بن علي لم تجعل وزيرة الخارجية الأمريكية أن يخطر ببالها أن شمس نظام بن علي ستغيب وإلى الأبد ، حين قالت رداً على صمت الإدارة الأمريكية تجاه تجاوزات نظام بن علي مع المتظاهرين بأن إدارتها سنتحاور بهذا الشأن مع نظام بن علي فور إنتهاء الإحتجاجات. النظام الفرنسي يوم الخميس الفائت عرض مساعدته بتقديم خبراته في مكافحة الشغب والاحتجاجات لنظام بن علي ، وفي مساء اليوم التالي رفضت السلطات الفرنسية السماح لطائرة بن علي بالهبوط في أراضيها ، واليوم تطالب من بقية أقربائه وعشيرته بسرعة مغادرة البلاد ! أتمنى أن يكون الدرس قد وصل للزعماء العرب ، بأن الصداقة والتحالف مع الغرب سينتهي بمجرد تنحيهم أو تجريدهم من السلطة ! قال أحد الزملاء بأن ليلى الطرابلسي التي أرغمت عفيفات تونس على التبرج والسفور، سترتدي الحجاب والنقاب رغماً عن أنفها وهي تحت حكم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية. ترى هل هي مفارقات أم قدر محتوم، أن تضيق الأرض بمن عليها ولا يجد بن علي من مأوى يأويه هو وعشيرته إلا أرض الحرمين وعلى بعد كيلومترات من مكةالمكرمة ! إنني أراها ترتيب وعقاب إلهي جبار: عدو الإسلام في بلاد الإسلام! فاعتبروا يا بقية زملاء وأقران بن علي، وأنتم ولا حسد كثار. فإن صمت الشعوب لن يدوم وسكوتهم ليس صك أمان لأنه إذا ما الجوع ستقر في ديارهم والمرض في أبنائهم وأجسادهم فلن ينفعكم أي انتخابات ، أنتم من يحبك السيناريو والإخراج لفصولها أو البلطجية وجماعة (كل شيء تمام يا فندم) إذا ما نزلوا إلى الشوارع هاتفين بمجدكم وعظمتكم الزائفة، لأن البطالة والجوع والمرض والاستحواذ على موارد البلد كفيلة بإستجلاب سيل العرم الشعبي ليجركم إلى المنفى وإلى مزبلة التأريخ يا أبطال أنفسكم. لا جيوشكم ولا ترسانتكم العسكرية لن تقيكم غضب الشعب إذا جاع أو عطش أو أخذت كرامته وعزته. محمد البو عزيزي ..هذا الشاب الناقم من الوضع ومن بيروقراطية الفساد أراد أن يشغل النار على جسده ، ولكنه أشعلها ناراً ملتهبة في كل تونس وأحرقت نظام ديكتاتوري قابض على مفاصل البلاد منذ 23سنة. نار البوعزيزي انتقلت إلى الجزائر والأردن ولا ندري من سيكون حطبها القادم؟