يشير علماء الإجتماع الى أهمية التماسك الإجتماعي في أوقات الشدة والأزمات كعامل من أهم عوامل الصمود والإنتصار. وأن هذا التماسك الجمعي يتجسد في جهود الافراد والوحدات الاجتماعية المتوسطة - مثل الأسرة وتجمعات الجوار - في تأسيس وتوطيد علاقات تضامن فردية وجماعية تساهم في التماسك الكلي للمجتمع. وفي ظل العقاب الجماعي والتضييق في المعيشة اليومية الذي تمارسه بقايا نظام الإستبداد والفساد على شعب تطلع الى العيش بكرامة ومساواة ، تعيش كثير من الاسر والافراد في بلادنا اوضاعأ غاية في الضنك والشدة. وتمر قصص المعاناة من ضيق العيش غير معروفة في خضم أحداث جسام يمر بها شعب اليمن المصابر وإنشغال كلٌ بنفسه. ولعل من فوائد الإبتلاءات والصعاب أنها تجعل من التراحم والتكافل ضرورتان من ضروريات الحياة وليستا فقط مكرمتين من الفضائل كما هي في ايام الترف والدعة. بل يصبح التراحم والإيثار هو الباب الأوسع لإستجلاب وإستحقاق رحمة الله وفرجه ونصره ، كيف لا وقد وُعدنا بذلك بقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
إن الثورة عملية بناء لاتهدف الى إسقاط النظام الفاسد فحسب وإنما تغيير ما بأنفسنا لتحقيق النهضة الشاملة. إن من شروط النهضة كما حددها المفكر الجزائري مالك بن نبي أن ينبع التغيير من النفس، فلكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أن يتحقق أولا في انفسنا مصداقا لقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". وقد استخلص مالك بن نبي أن الثورات لا يكتب لها النجاح مالم تكن لها قاعدة أخلاقية متينة. وعملا بهذه النظرية في علم الاجتماع الاسلامي فإن الثورات على الظلم مدارس تتعلم منها وفيها الشعوب ممارسة اساليب معيشية وتعاملية أرقى وأكثر عدلا وحضارة مما كان عليه الحال قبل الثورة. ولا أدل على ذلك مما يفعله شباب وشابات الثورة من تنظيم فائق لمرافق الحياة بداخل ساحات الإعتصام ومن حملات تنظيف الشوارع المحيطة امام امتناع العصابة المتنفذة من ممارسة خدمات الدولة المدنية كالتنظيف العام كوسيلة من وشائل تشويه الثورة والضغط على الشعب. ولايملك المرء إلا ان يحني رأسه إكبارا وإجلالا لهؤلاء الثوار النبلاء الذين طغى عملهم على ثرثرة الغير واثبتوا بالعمل لابالقول صدقهم وجديتهم في عملية التغيير الشاملة نحو التحضر والرقي والنهضة.
وبما أن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، فلنأخذها من تجربة اليابانيين الذين فاجأوا العالم بعد الزلازل الاخيرة على اليابان بقوة اجتماعية واخلاقية تضاهي قوتهم التكنولوجية. لقد تغلب اليابانيون على كارثة الزلزال برقي أخلاقي وتكافل اجتماعي اختصروا بهما كثيرا من الجهد والوقت للنهوض من الكبوة. ولقد تناقلت وسائل الإعلام بإعجاب امثلة من ذلك التكافل والإيثار مثل المتاجر التي خفضت اسعار سلعها وحرص الزبائن على شراء الحد الادنى من البضائع الضرورية الشحيحة لتوفير نصيب الآخرين منها وقيام بائعي المشروبات بتقديمها مجانا في وقت يتكاتف الناس فيه من اجل البقاء على قيد الحياة. بل والاكثر إثارة للاعجاب هو انعدام ظاهرة السلب والنهب التي تعم مناطق النكبات بسبب ضعف اجهزة الرقابة والضبط. ولاشك أن ومن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة القلوب ولين الافئدة لهم أحق أهل الإرض جميعا بالتراحم والإيثار.
وفي مرحلة مابعد الحكم المتهالك الذي تسول العالم باسم الشعب وجعل اليمن معتمدا في حاجاته اليومية على معونات الخارج، يجدر بنا ان نجعل من اهداف ثورتنا إنهاء اعتمادنا في لقمة العيش على الغير وأن نمارس أولى خطوات الإستقلالية بمساندة فئات المجتمع بعضها بعضا لسد الحاجات الاساسية والعيش بتكامل وكرامة.
وماهي إلا أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة حيث كان اجود من الريح المرسلة وكان اجود ما يكون في رمضان. فياأيها اليمانيون الأخيار، اجعلوا من ثورتكم على الطغاة والبغاة ثورة ايضا على نوازع الأثرة والانانية والشح في انفسكم.
وياأيها المقتدرون والتجار في المجتمع اليمني لاتنسوا اخوانكم وجيرانكم ممن يعانون الامرين في هذه الايام العصيبة .... ايام أمسكت فيها بتلابيب الشعب وقوته عصابة لاتخاف الله ولاترجوه. فيامن لديه فضل من طعام او غاز او وقود او نقود ، جد بها على من حرمها كلية فان الاجر العظيم يلازم الجود بالشئ الحبيب الى النفس "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" ، فكوا ضيق من ابتلاهم الله بالعوز فقد ابتلاكم انتم ايضا بالغنى والكفاية لينظر أتشكرون وتؤدون حق النعم. ولنخش جميعا ان ينطبق علينا تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال ، "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به". وياأيها المغتربون اليمنيون اذا كنتم حرمتم أجر المشاركة في عناء ونصب مجاهدة البغاة بالنفس والوقت والجهد فلاتضيعوا على أنفسكم فرصة الجهاد بالمال وانها والله لفرصة عظيمة فاز من اغتنمها وكتب الله له أجر المرابطين في الساحات والميادين. "انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".