إن ما يفسر حالة الاعوجاج وعدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منها اليمن منذ زمن بعيد وحتى بعد الثورة وإلى يومنا هذا، هو أننا نعيش بين فكي "أسد القبيلة والدولة"، حتى صار البعض يجعل ولائه للقبيلة أعم واشمل من ولائه للدولة والوطن. كما أن البعض يرى الوطنية عنده أو الولاء للوطن، هو بدفاعه عن القبيلة وشيخها ، ولو نظرنا إلى حالنا ومن نعيشه ولو تأملنا بعين البصر والبصيرة أنه كم من مسؤول تم تعيينه علي رأس قطاع معين فعمد إلي حشد أبناء عمومته فيه وتعيينهم في كل المناصب وكأن المنصب خاص به وبقبيلته حتى يعين لها ما يريد من أبنائها، وكأننا أصبحنا قاب قوسين أو أدني من أن يقال لنا أو نسمع بلدية القبيلة، أو ربما مستقبلاً جمهورية المشائخ اليمنية، .... الخ.
إن قوة الدولة تكمن في قوة هيبتها وفرض سلطاتها علي الجميع الذي هو عنصر أساسي من عناصر تكوين الدولة طبقا لمفهوم القانوني للدولة .فلا يمكن بحال من الأحوال ان تكون عندنا سلطتين في سلطة واحدة ، فإما أن تكون الدولة حاضرة وموجودة بسلطاتها وقوانينها ومؤسساتها ، وإما أن نكون أمام مرحلة جديدة من التسيب والفوضى والاستعراض العضلي للقبيلة المتمثل في معرفة حجمها ووزنها وتأثيرها علي كل ما يجري من حولها.
إننا أمام مرحلة خطيرة بكل المقاييس بدأت تتوجه إليها اليمن في القرن الواحد والعشرين ، في زمن تتنافس فيه الدول علي سبل التقدم والاستقرار والتنمية ، ونحن نتنافس ونتنابز بالقبيلة وأمجادها ومآثرها وبطولاتها ، فأي زمان هذا نعيش فيه؟!.
لا سبيل إلي بناء دولة عصرية ديمقراطية يترسخ مفهوم الوطنية في كل مواطنيها، ولا ولاء يعلو فوق الولاء للوطن، إلا بترسيخ مفهوم التعددية الحزبية الصحيحة والسليمة باعتبار الأحزاب السياسية هي تنظيمات سياسية واجتماعية ذات طابع عام وبرامج وأهداف ومحددة وهي نتاج الديمقراطية والمجسدة الفعلي لها، وهي بكل تأكيد تختلف عن القبيلة في كل مناحي وتوجهاتها ، وهو ما يفرض علينا ضرورة الانتماء لها وتجذير الممارسة الديمقراطية عن طريقها وبها فقط يمكن أن نثبت وجود الدولة بدلا من القبيلة.