بالتزامن مع موعد الاختتام المفترض لمؤتمر الحوار الوطني، يتصدر التأزيم السياسي المشهد اليومي، فتغدو "الكهرباء" ضحيته الأولى كالمعتاد. لا يريد النافذون أن تبصر اليمن النور، وهاهم يجرونها عنوة إلى الظلام الدامس، رغم تعقل اليمنيين وتسامحهم مع كثير من أقطاب الفساد والاستبداد، وقبولهم بتسوية سياسية منقوصة.
في 18 مارس كنا نأمل أن يختتم مؤتمر الحوار أعماله بإعلان خارطة طريق للمستقبل، وفاء لشهداء الثورة والتغيير في مذبحة الكرامة، التي رفعت يومها إنذاراً لكل المتسلطين بشؤون البلد، فكانت الدماء الزكية التي سقطت يومها وأمام أعيننا بمثابة العبور إلى يمن جديد، ما زلنا ننتظره ولو بعد حين.
صحيح أن هناك من ركب موجة الثورة، وانحرف بمسارها، وهناك من راوغ وعاند، كما أن هناك من لا زال يتربص بها علّه يعود إلى مربع السلطة وهيلمانها، وهنا تبدو الثورة ومشروعها التغييري في مأزق حقيقي، يضاعف من خطورته أن الربيع العربي من حولنا أصابته ويلات المتآمرين و الإقصائيين الجدد.
غير أن الأمل لا يزال كبيراً في مؤتمر الحوار الوطني، وإذا كانت العبرة بالخواتيم، فإن تمديد جلسات الحوار، لا تعني الفشل بالضرورة، بقدر ما تؤكد أننا أمام ولادة متعسرة لحلول يجب أن ترتقي إلى حجم الأزمة اليمنية المركبة والمستفحلة.
سأكون كاذباً، إن قلت أن دوافع التعطيل تنطوي على مصلحة وطنية، لكن لن أتهم طرفاً بعينه، وأقول إنه من يعطل الحلول المرتقبة.
بيد أني أكاد أجزم أن نضوج الحلول المقترحة للقضية الجنوبية، وبلورة الإطار العام لمخرجات الحوار لن تكون في النهاية إلا في صالح اليمن مهما تشدق الكثيرون باسم الدفاع عن الوحدة اليمنية.
نعم هناك مساومات من داخل وخارج ومؤتمر الحوار، وقد تنبعث من هنا أو هناك روائح كريهة، إلا أن خاتمة الحوار ستكون مسكاً بإذن الله.
على أن التفاؤل هنا ليس عبثياً، فالحوار ليس مسؤولية 565 عضواً، فحسب، بل إن الرقابة الشعبية حاضرة باستمرار، ولن تقوى أطراف الحوار ومكوناته الرئيسة على اجتراح حلول خارج متطلبات الواقع.
لقد تمكنت فرق الحوار من تشخيص مشكلات البلاد، وقدمت مئات التوصيات الدستورية والقانونية، التي من شأنها التأسيس لدولة مدنية تسودها الحرية والعدالة، والديمقراطية، واحترام وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الشراكة الوطنية في السلطة والثروة.
وإذا قال أحدهم إن مشكلتنا ليست في النظريات والنصوص، وأن اليمن تمتلك منها ما فيه الكفاية، فإن جديد هذا المؤتمر أنه يدرس ضمانات عملية لتنفيذ هذه المخرجات وتطبيقها على أرض الواقع.
ومما لا شك فيه أن التوافق على خارطة طريق يحتاج المزيد من الوقت، مع ضرورة أن تتحلى القوى السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار بقوة العزم ولإرادة واجتراح تنازلات كبيرة من أجل المستقبل.
هنا تكمن أهمية "ختام الحوار"، فالمهم أن يعلن للشعب عن رؤية مستقبلية، وليس من مشكلة إن تأخر هذا الإعلان بعض الشيء عن موعده الرسمي.